نظام الجودة بين متطلبات المستفيد والعامل والمالك في المؤسسات الصحية – الجزء الأول

مقالة علمية للدكتور علاء منذر حسون

 مع تطور الحياة وتعقّدها خاصةً في المجال الصحي، تضاعفت الحاجة لوجود مؤسسات صحية –مستشفيات- تؤمن العلاج والرعاية الصحية للمرضى من خلال فريق طبي متخصص يدعمه طاقم تمريضي وإداري خبير مع استخدام معدات طبية وأنظمة فعالة لتأمين شفاء المريض بكل كفاءة ويسر. تلك الأنظمة يحكمها نظام واحد يتسم بالشمولية والوضوح والتحسين المستمر، إنّه نظام الجودة والذي يعني بحسب المعهد البريطاني لضمان الجودة أّنّه التخلص من العيوب والإلتزام بالمعايير المتفق عليها لضمان تحقيق أفضل الأعمال ومنع الأخطاء وتجنب الهدر مع الاستمرار في تطوير أهداف المؤسسة ومخرجاتها. ولكن ما هي التحديات التي تتصدى لها المستشفيات في عصرنا الحالي؟ كيف تُفهم الجودة وما هي عوامل نجاحها في المؤسسات الصحية؟ ستعرض المقالة مشاكل عدم تطبيق نظام الجودة مع توضيح متطلباته وخصائصه وأبرز نتائجه.

يتركز دور نظام الجودة على حل المشاكل بالطرق الصحيحة وأداء الأعمال بطريقة لائقة وعلى الدوام. ولعلّ أبرز العقبات التي تعاني منها المراكز الإستشفائية تتجلّى في تأخر إتمام العمل، ارتفاع الحوادث، تزايد الهدر، كثرة الشكاوى من الموظفين والمرضى والزائرين، غياب التدريب الفعال، ضعف التحفيز، ارتفاع معدل الدوران الوظيفي، خلل في استخدام المعدات مم يؤدي إلى تدني مستوى المخرجات واستياء عام من الخدمة وتراجع في مستوى الرعاية الصحية المقدمة للمستفيد.

اتفق معظم رواد الجودة أمثال جوزيف جوران وفيليب كروسبي على المتطلبات الأساسية لتطبيق نظام إدارة الجودة. أكّدا على أهمية زيادة الوعي بالجودة، كما نادى الباحثَين بضرورة تفعيل العمل الجماعي وتحسين التواصل بين الأقسام وتمكين العمل التنظيمي والتخطيط السليم. ولفتا الأنظار إلى أهمية التدريب لتطوير العمل وتجنب الأخطاء، والنظر إلى مفهوم التطوير المستمر كنهجٍ ملزم في كافة مسارات العمل.

بعد التمعن في مستلزمات نظامٍ فعّالٍ للجودة، يتضح لنا مجموعة من المبادئ والخصائص، يمكن اعتبارها ركائز أساسية لبناء نظام جودة سليم وقوي. تحتاج المؤسسة في المقام الأول إلى التركيز على المريض والعامل والأهل من ناحية معرفة احتياجاتهم وتغطيتها ضمن أفضل الأساليب وبالجودة المطلوبة. الالتزام التام من قبل الإدارة بتطبيق سياسة التحسين المستمر وإجراءاتها يعتبر بنداً أساسياً في تحقيق أهداف المؤسسة وزيادة نموها. كما وأنّ إنشاء لجان للجودة وتفعيل العمل بروح الفريق تدعم مسيرة التحسين وتشجع الجميع على الانخراط في برامج الجودة على كل المستويات. وحتى تتمكن المؤسسة من دراسة احتياجاتها وتطوير أهدافها،  لا بدّ من الارتكاز إلى مجموعة دقيقة وواضحة من البيانات للتعرّف بشكل أكبر على احتياجات المريض والموظف وتحديد توقعاتهما والالتزام بها.

وفي إطار تحقيق أهداف نظام الجودة، يجب على الإدارة العليا أن تلتزم وتشارك في صنع برامج الجودة وأن تعتبر العامل العنصر الأهم في تطبيق خطط الجودة في المستشفى. وكلّما كانت الموارد المادية متاحة لجميع العاملين وكذلك توفّر الحوافز والنظام الإداري الواضح والمرن، كلّما شكّلت عوامل أساسية لإنجاح عملية الجودة، ولكن دون أن نغفل عن أهمية تمتع الكادر الإداري والفني بالخواص المهنية والسلوكية المطلوبة للمحافظة على النجاح وتطويره باستمرار.

يخبرنا دامينغ صاحب النظرية المسماة بإطار دامينغ (خطط – نفذ – افحص – باشر) بأنّ الجودة شقين، أي لتحقيقها يجب أن تكون الخدمة مميزة وتحقق بنفس الوقت تطلعات المستهلك. ولقياس مخرجات عملية الجودة، هناك بعض المؤشرات التي تؤكد وجود تحسين في المدخلات والعمليات والنتائج أبرزها القيام بالعمل بطريقة صحيحة وبشكل مستمر، تجديد دائم في السياسات والإجراءات، وجود فرق عمل لدراسة المشكلات ووضع الحلول وتنفيذها، خلو البيئة المحيطة بالعمل من الخوف والعداء، سهولة التواصل بين الأفراد والفرق، وجود سياسة تحفيز مشجعة للعمل والتطوير، وجود خطة تدريب تعتمد على عملية قياس أداء دقيقة ومستمرة، ودعم واضح من قبل الإدارة العامة لبرامج الجودة ومقترحاتها.

إن الهدف العام لنظام الجودة يكمن في أمرين لا ثالث لهما، إرضاء المستفيد وتعظيم أرباح المستشفى. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من أن تكون الجودة مسؤولية الجميع كونها شاملة جميع أعمال المؤسسة وذات شأن استراتيجي مرتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية المنظمة ورسالتها. ومن هذا المنطلق، تحتاج الإدارة العليا لإيجاد توازن دقيق بين ثلاثة

عناصر: الخدمة المجوّدة والسهلة والموثقة والسريعة التي يريدها المستفيد، متطلبات الموظف وتوقعاته من العمل وضرورة خفض النفقات وزيادة الإيرادات والحصول على الاعتماد من الجهات الحكومية والخاصة المعنيّة. ولكن، كيف يمكن تحقيق هذا التوازن عملياً كسياسات معتمدة وأدوات مطبقة وإجراءات منفّذة؟ وما المقصود بالاعتماد؟ من يضعه وما هي شروطه وكيف يتم الحصول عليه؟ أسئلة مهمة سيتم الإجابة عنها بدقة ووضوح في مقالات قادمة إن شاء الله.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *