العمل الخيري وإعلام المنظّمات
|بقلم :د.رابعة فتحي يكن
في الآونة الأخيرة شهدت المجتمعات تزايداً ملموساً في أعداد المنظّمات الأهلية غير الحكومية، واللافت أن غالبية هذه المنظّمات
باتت معنيّة بالدرجة الأولى بالبرامج الخيرية الاجتماعية، هدفها مدّ يد العون للفقراء والدفاع عن المستضعفين ومساندة من لا معيل له ضمن برامج تكافلية متنوعة. ولا شك أن تطور المجتمعات أدى بالتالي إلى تطور أداء تلك المنظّمات، حيث ظهرت مفاهيماً حديثة للخدمات والبرامج الخيرية تسدّ حاجات المجتمع وفقاً لظروفه وأوضاعه المعيشية، حتى باتت في تنافس كبير فيما بينها، لاكتساب رضا جمهور المجتمع الداخلي والخارجي، التي ترغب بفتح قنوات تواصل معه، بهدف الحصول على دعمه لبرامجها.
وفي خضمّ بروز الشبكات الرقمية وثورة التواصل، انهارت الحواجز الجغرافية وانبثقت ملامح الطريق السريع للاعلام. وأدركت مختلف المنظّمات الخيرية اليوم، أنه لا يمكن لها الاستمرار في تحقيق أهدافها وتنفيذ برامجها وإثبات وجودها بعيداً عن الإعلام والمجتمع، إذ لن تحظى بمساندته في الدفاع عن مصالح المحتاجين إلا عن طريق توظيف الإعلام بالشكل الصحيح.
وفي مفهوم فعل الخير والبرّ ضمن مجتمع يقوم على التكافل والتضامن الاجتماعي، ومع تفاقم المشكلات التي يعاني منها المستضعفون في ظلّ ضائقة اقتصادية صعبة، أصبح البرّ والإحسان الذي كان يقوم على الكتمان وبصمت متعمّد، بات أكثر حاجة إلى الاعلان عنه من أجل خدمة تلك الشريحة وتأمين حاجاتها. ومع ثورة الاتصال، ظهرت آليات جديدة يسهُل استخدامها في التواصل مع الآخر من خلال بثّ رسائل إعلامية، تُظهر حاجة المنظّمات إلى الدعم، وبالتالي خفّفت هذه الوسائل من صعوبات الوصول إلى الأفراد التي كانت تقف حائلاً أمام العمل الخيري القائم على البذل والعطاء والتطوّع. ومع تفعيل أكثر للأداء المؤسّساتيّ لهذه المنظّمات، بات لكل منظّمة أسلوبها ونمطها الخاص في تظهير دورها الخيري الاجتماعي، في محاولة منها لتطوير أساليب الدعوة إليه، عبر توظيف كافة التقنيات الحديثة في خدمة برامجها.
من هذا المنطلق، تأكدّت الحاجة الى تناول الموضوع من الوجهة الاعلامية، إذ لم يعد الاتصال المباشر مع الأفراد يكفي لتأمين التفاعل المطلوب بين مختلف الشرائح المجتمعية، أو الحصول على دعم مادي كافِ، كما أن مضمون الخطاب المنظّماتي لم يعد يكتفِ ببث الأخبار، بل يعتمد على استراتيجية إعلانية وخطّة دقيقة متفاعلة مع المجتمع، لتحقيق الأهداف الخيرية التي يعزّزها ويوقظها الواعز الإنساني النبيل. وقد تأكدت على مرّ الأيام قوّة تأثير وسائط الاعلام في اتخاذ القرار بدعم الجمعيات، كما تأكّدت مكانة الاعلام الاجتماعي في التأثير على الأفراد. وقد أكدت البحوث العلمية الإعلامية أن لكل وسيلة من وسائل الإعلام قدرة خاصة على الإقناع وفقاً للرسالة والجمهور، والبيئة الاجتماعية والثقافية، حيث بدأت تظهر ملامح تأثير الإعلام من خلال التفاعل الواضح بين المنظّمات والمجتمع المحليّ والعالمي، فيسّرت سبل الحصول على الدعم المالي والعيني بشكل أفضل. كما الملاحظ أن المنظّمات بدأت تسجّل حضوراً فاعلاً في هذا الميدان.
إن الاستراتيجيات الاعلامية بالنسبة للمنظّمات تتمثّل في التخطيط لمختلف المراحل التي يستوجبها العمل ضمنها، حيث تهدف عادة إلى خلق الوعي بخصوصية نشاط الجمعية، وتغذية شعور الانتماء لها والرغبة في التعاون معها لتنفيذ نشاطها، لتحقق تألّقها في محيطها الاجتماعي. إضافة إلى ضمان المصداقية لأعمالها وبرامجها الخيرية. وغالباً ما يتوزع النشاط على ثلاثة برامج أساس هي : التعريف بالمنظّمة وبهويتها ونشاطها عبر وسائل الاعلام الجماهيرية، وضبط العلاقات مع الأعضاء من خلال اجتماعات عامة وعبر شبكات الاتصال الخاصة مثل الهاتف والبريد، إضافة إلى دعم نشاط المنظّمة بالحملات الإعلامية المعتمدة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، لمنح فرصة لمن لديه الرغبة والقدرة على فعل الخير.
أما الخطّة الاعلامية، فتكمن في ضمان التنسيق بين العناصر التي ترتكز عليها، وتسخير الوسائل الإعلامية المتاحة والمناسبة لكل نشاط ولكل مرحلة وفئة اجتماعية، عن طريق برمجة العمل بحسب روزنامة تتماشى مع حاجة المجتمع. وحتى تتمكن الجمعية من التأثير والاقناع وشدّ انتباه الجمهور، فإنه يترتب عليها تعزيز الثقة بقدراتها من خلال صياغة خطابها الاعلاميّ الذي يتلاءم مع أهدافها.
بصورة عامة، يمكن تلخيص أهداف وبرامج الاعلام المنظّماتيّ على الشكل التالي: التواصل الدائم مع الأعضاء وتزويدهم بمعلومات تُعينهم على القيام بدورهم. توسيع القاعدة الشعبية للمنظّمة لتشمل أعضاء أكثر عند اللزوم. التوفيق بين وجهات النظر بينها وبين المجتمع وإيجاد مواقف ايجابية مشتركة، التعريف بالخدمات وإيجاد مجالات للتعاون على تطويرها. المشاركة الإعلامية في النهوض الاجتماعي بتبنّي برامج الخدمات الاجتماعية ـ تنظيم الندوات والأنشطة التثقيفية واللقاءات والمعارض وغيرها. إعداد المعلومات والإعلانات حول الخدمات التي تقدمها وتصديرها بالوسائل الملائمة ـ تخطيط وتنفيذ الحملات الاعلامية الظرفية ــ النهوض بالعلاقات الجيدة داخل المنظّمة وبين منسوبيها. السعي المتواصل للمحافظة على الصورة اللائقة وتدعيم الانطباع الإيجابي تجاهها. الإلمام بقواعد الاتصال الحديثة وجهوزية التعامل مع كل التقنيات الجديدة.
من هنا، فإن بلوغ هذه الأهداف، يتوقف على توفير خطّة مدروسة تضعها المنظّمة موضع التنفيذ بناءاً على بعد استراتيجي واضح، تعتمد فيه على أسس وقواعد علمية يستند إليها الاتصال الاجتماعي فهو المنطلق الأول والأخير، وما الاعلام إلا جزءٌ منه، حيث يزيد من تنامي المنافسة بين الجمعيات من أجل الحصول على تأييد الجمهور وجذب متطوّعين وتأمين مساهمات مالية تكفي لسدّ الثغرات في المجتمع. فنجاح النشاط يتوقف على الاتصال المستمر المباشر وغير المباشر مع الجمهور، لكسب تأييده المباشر لها، وذلك ما يبرّر الإقبال المتواصل من طرف المنظّمات على الاعلام، من أجل تأمين قنوات الاتصال مع من تحتاج إليهم تلك المنظّمات خدمة لأهدافها، وإيجاد مناخ يحافظ على روح التضامن والتعاون.
لا بد من لفت النظر أن الجهود الاعلامية تتفاوت من منظّمة إلى أخرى، ذلك أن العديد منها قد لا تتوفر لها الموارد الضرورية للقيام بالجهود الاتصالية المتطورة. فتبعاً لأهمية المنظّمة، فإن دور الإعلام فيها يمكن أن يتم بمجرّد تكليف أحد أفرادها بنشر بعض المعلومات وتنفيذ بعض الأعمال الإعلامية اللازمة، أو بالاعتماد على إدارة قائمة بذاتها يشرف عليها متخصّصون يتوّلون وضع استراتيجية اتصالية متكاملة يسهرون على تنفيذها، وهذا بحسب الاعتمادات المالية الكافية والموارد البشرية التابعة للمنظّمة، وغالباً فإن مختلف المنظّمات تضمّ عشرين موظّفاً أو أقل إلى جانب فريق المتطوّعين من الأعضاء، يكون من بينهم من هو متفرغٌ للعمل الاعلامي والعلاقات العامة، خاصة بعد أن أخذت الأساليب التقليدية للمنظمات الأهلية في التغيير الكبير، إذ أصبح البعد الاعلامي الاجتماعي ضرورة وأساس وبات لكل منظّمة مواقعها الإلكترونية وصفحاتها الخاصة التي تعبّر عن هويتها وأهدافها.
من هنا، فإن أغلب ما تقوم به المنظّمات اليوم، تحت مسمّى الاتصال الاجتماعي بمختلف أشكاله، لا بدّ وأن يخضع إلى عمل تكتيكيّ متواصل يعتمد على خطط مرحلية هادفة تقوم على مفهوم التسويق والإعلان، ثم مرحلة التنفيذ حسب الأهداف بالاعتماد على قنوات الاتصال الداخلية والخارجية وشبكة الانترنت. مع ضرورة تخصيص جزءٍ من مواردها المالية للمنشورات والإعلانات والحملات الخيرية التي تدغدغ العواطف الإنسانية وتؤثر في الجمهور المتلقي، عن طريق تظهير المآسي الموجودة في المجتمع بشكل واضح وجليّ.