مفاهيم التحفيز الوظيفي بين الماضي والحاضر

مقالة علمية للدكتور علاء منذر حسّون

ربط علماء الإدارة مفاهيم التحفيز ونظرياته بعلم إدارة السلوك التنظيمي وذلك منذ الوهلة الأولى لخروج هذا العلم إلى النور. وقد عرّفه العالم كيلي شات بأنّه عبارة عن دراسة أثر الأفراد والمجموعات وتركيبة المنظمة على السلوك داخل العمل لهدف أساسي وهو تطوير أداء الموظفين وزيادة انتمائهم بغية تحسين عائدات المنظمة وتطوير أقسامها وتحقيق أهدافها. ولعلّ أبرز القضايا التي شرّحها هذا العلم قضية التنوع البشري، التواصل، القيم على اختلافها، القيادة والتحفيز. وبتعريف مبسّط للتحفيز فهو دفع الأفراد واغرائهم بإنجاز أعمال تعود عليهم وعلى محيطهم بالفائدة الكبيرة، تنظيم جهودهم وقيادتها نحو تحقيق أهداف محددة. ولكن، ما هي شروط التحفيز الفعّال وما هي أبرز نظريات التحفيز التي طبقت في السابق والتي تُطبّق في أيامنا الحالية وكيف يمكننا الدمج بينها؟

لا يختلف اثنان على أنّ للتحفيز نوعان، ماديّ ومعنويّ. ماديّ كأن ينال الموظف زيادة على راتبه، منحة دراسية أو تمويل لمشروع خاص. ويمكن أن نعبّر عن التحفيز المعنوي بحصول العامل على تنويه شفهي من مديره، شهادة تقدير لعطاءاته أو اعتباره موظف الشهر في المنظمة. وعند تطبيق آليات التحفيز لا بدّ من التأكد من توفر الشروط التالية:

  • متابعة دائمة للموظفين وكشف مستمر عن مستوى الأداء المقدم من خلال معايير محددة وواضحة.
  • سرعة تقدير الحافز المقدم للعامل أو للمجموعة سواء أكان مادياً أو معنوياً.
  • الحرص على تحقيق الصفة الجماعية في التحفيز خاصة في قطاعي الانتاج والخدمات.
  • ضرورة إشراك المرؤوسين أنفسهم في الحكم على نتائج أعمالهم وتحقيقهم للأهداف الموضوعة.
  • تناسب التقديمات التحفيزية مع حجم الأداء المقدم.
  • تناسب الحوافز مع احتياجات ورغبات العاملين في المنظمة.

ظهرت العديد من النظريات المتعلقة بالتحفيز منذ منتصف القرن الماضي، منها ما تم إهماله ومنها ما زال معتمداً في كثير من المنظمات حول العالم. ومن النظريات التي بقيت منتشرة هرم ماسلو للحاجات، نظرية X and Y  لماكروغر، نظرية الحاجات لماكللند ونظرية Two-factor لهارزبرغ.

انطلقت نظرية هارزبرغ من السؤال التالي: “ماذا يريد الناس من وظائفهم؟”. من خلال دراسته للأجوبة تبيّن له أنّ أسباب الرضا الوظيفي عند العامل تختلف تماماً عن أسباب عدم الرضا. بمعنى آخر، أن الرقابة الزائدة على الموظف مثلاً تجعله غير راضياً في عمله ولكنّ العكس لا يجعله راضياً بالضرورة وكذلك بالنسبة للراتب ولعلاقته مع زملائه ورؤسائه وللأنظمة المعتمدة في الشركة. من جهة أخرى، شعور الموظف بالرضا عن وجوده في عمله بسبب تطور أدائه والتقدير الذي يناله أو الانجازات التي يحققها، عكسها لا يعني أنّ عدم الرضا الوظيفي قد تحقّق. خلصت نظريته إلى مفهوم أنّ عكس الرضا ليس هو عدم الرضا كما يعتقد معظم الناس. بالنسبة إليه، يعتبر أن ما يحقق الرضا الوظيفي مختلف تماماً عمّا يسبب عدم الرضا الوظيفي وقد طالب أصحاب المؤسسات بالفصل بينها. رغم تعرّض نظريته للكثير من النقد لكنّها لاقت رواجاً كبيراً وقلة هم المديرون الذي لا يستخدمون نصائحه.

        أما بالنسبة لنظريات التحفيز المعاصرة، فإنّ أهم ما يميزها ثباتها العلمي وكثرة الدراسات التي تؤكد قوة تأثيرها. من أهم ما نجده في الكتب المعاصرة نظرية تقرير المصير للباحثين ادوارد دايسي وريتشارد راين، نظرية الكفاءة الذاتية لألبرت باندورا، نظرية تحديد الأهداف لإدوين لوك ونظرية التوقع لفيكتور فروم.

تعتبر نظرية التوقع من أكثر النظريات انتشاراً وقبولاً في الوسط العلمي. تؤكد النظرية أن قوة ميل الفرد لتحقيق هدف ما تزيد بحسب قوة توقعه للنتائج التي سوف يحصل عليها. بمعنى آخر، فإن الموظف يضاعف من مجهوداته الفكرية والجسدية في حال توقع الحصول على مكاسب كبيرة من تحقيقه لأهداف المنظمة. مثال زيادة على الراتب، عمولات اضافية، سفر خارج البلاد وغيرها. العامل يتوقع من العمل أن يحقق أهدافه الشخصية من خلال تحقيقه للأهداف الوظيفية. فإذا اهتم العامل بزيادة مجهوده سيؤدي ذلك إلى تحسين أدائه، وتحسين الأداء سيحقق للمنظمة أهدافها التشغيلية والاستراتيجية مما سيحقق أهداف الفرد من الوظيفة.  ولا بد من الإشارة أنّ نظرية التوقع قد وصلت إلى حد المثالية في النتائج وقد ساهمت في تطوير العديد من المنظمات والأفراد على حدّ سواء.

          لن يتسع المقام بتفصيل عشرات نظريات التحفيز المطبقة في عالمنا، ولكن يمكننا وفي العمل دمج بعض النظريات للحصول من الأفراد على أفضل المخرجات. فلكل منظمة بيئتها وموظفيها وخدماتها. وهناك نظريات قديمة لا زالت تستخدم وبقوة في كبرى الشركات وهناك أيضاً بعض النظريات الحديثة التي لا نجد لها توثيقاً علمياً وعملياً يؤكد جدواها. في النهاية، المنظمة تريد تحقيق الأرباح وضمان استمراريتها في السوق ولا يتحقق ذلك إلا من خلال علاقة تشاركية مبنية على الاستفادة المتبادلة بين العامل ورب العمل وللأمانة فإن نظرية التوقع ونظرية two-factor تسير في مصلحة الطرفين، خاصّة وأنهما تقودان الموظف للمزيد من التركيز في العمل، للمزيد من الجهد، تضيف القوة وحب الاستمرار وتدفعه لأن يكون أكثر كفاءةً وفعالية.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *