
الجودة في التعليم

ماهية التعليم العالي و أهميته
من إعداد Hiba Chahal
يشتهر التعليم العالي بالعديد من التسميات التي تطلق عليه، فهناك الجامعة، الاكاديمية، أو ايضا الكلية.. و تسميات اخرى: كالمعهد، او المدرسة العليا، كلها اسماء تدل على التعليم العالي، ولكنها تسبب الاختلاط في الفهم لانها تحمل معاني عدة تختلف من بلد لاخر. تتميز الجامعة بتعدد مقرراتها وباختلاف التخصصات الموجودة فيها التي تقدمها للطلبة، فالتعليم العالي يقوم بتهيأة وتكوين العنصر البشري أي الراسمال_البشري المؤهل والمكيف مع احتياجات التنمية الاقتصادية داخل البلاد وخارجها، والقادر على الاستجابة للمتطلبات والتغيرات الدائمة التي تصيب المجتمعات المحلية والعالمية.
لذلك فإن تطور الجامعات قضية جوهرية تتناول التعليم ومضمونه ومحتواه وطرائقه وكفايته في خلق القوى البشرية العلمية والتكنولوجية القادرة على الاسهام في بناء المجتمع وفعاليته والنهوض به في المستقبل، (نبيل توفيق تويج، التعليم الجامعي بين الاداء والتقويم).
فالتعليم العالي إذ يقوم بوظيفة توفير الفرص الدراسية الجامعية، إنما يقوم أيضا بوظيفة نقل المعرفة المتخصصة ونشرها.
تبرز اهمية التعليم العالي في إبراز الوظيفة التي يؤديها، وهي مقسمة على الشكل التالي:
ان التعليم العالي يعيش في معظم دول العالم ازمة حقيقية تختلف في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتتنوع اشكالها وتتفاوت درجات شدّتها من دولة الى اخرى، ومن مرحلة الى اخرى، كما طبيعة العملية التعليمية ذاتها تضيف ابعادا جديدة الى هذه الازمة. إضافة الى أن التّطور الذي يحدث في عالم اليوم تتسارع خطاه وتتزايد يوما بعد يوم، الامر الي يؤدي الى تفاقم هذه الازمة ويزيد من حدتها (هاشم العبادي و يوسف الطائي، التعليم الجامعي من منظور اداري).
يقول فليتشر عن دور الجامعة في المجتمع، بأنها تقوم بالاستجابة للمتطلبات التي تقتضيقها التطورات السريعة للعلوم والتكنولوجيا وتؤثر تأثيرا كبيراً في حياة الامة الاجتماعية والاقتصادية، فإما ان يكون تأثيرا يعكس التطور وقوة الروابط فيها او يعكس ضعفها وتفككها (افنان عبد علي الاسدي، السمات القيادية وعلاقتها بابعاد ازمة التعليم العالي). لذا يعد التعليم الجامعي محركا اساسيا للتقدم والازدهار الحضاري في كافة المجالات لأنه يساهم في تحقيق رقي المجتمعات سياسيا اقتصاديا واجتماعيا.
التعليم بين لاستهلاك و الاستثمار؟!
Hiba Chahalإعداد
بفضل تطور النّظرة الاقتصادية والاجتماعيّة للعمليّة التعليميّة، اصبح ينظر الى التّعليم كخدمة استهلاكيّة تقدّمها الدّولة والمؤسّسات لتحقيق الاشباع لافرادها، ثم تطوَّر الى أن أصبح النّظر اليه على أنَّه إستثمار يحقِّق عائدا اقتصاديّاً. وهنا لابدّّ من التكلم بشكل موجز عن اقتصاديّات_التّعليم:
التّعليم_كإستهلاك: يُقبل الفرد على التّعليم ويجعلُه من اولويّاته في الحياة، ويُخصّص لهُ نَصيباً من دخله للانفاق عليه، لذلك يعتبر كخدمة استهلاكيّة، ويكمن هذا الجانب _الاستهلاكي_ بإعداد الفرد لحياته الخاصّة من خلال تطلّعاته نحو المستقبل عن طريق التّعليم، وتزويده بالجوانب الاخلاقيّة والثقافّية والاجتماعيّة.
وفي هذا الجانب، لابدّ أن يقوم التّعليم بمختلف مراحله وانواعه، بتحقيق تكافؤ_الفرص_التعليميّة_الديمقراطيّة من خلال التزام الدّولة باعطاء كافة افراد المجتمع فرصة متكافئة في التعليم وتنمية ثقافتهم ومحو امّيتهم وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، و وضع الشّخص المناسب في المكان المناسب عند اختيار التّعليم المناسب، ليحتل مكانه في العمل المناسب. معنى هذا، ان التّربية يجب أن تنمّي شخصيّة الفرد المُتعلم تنميةً كاملة،ً ويستغلّ تعليمه استغلالاً صحيحاً يخدمُ مصلحته ومصلحة مُجتمعه. إضافة الى ذلك، فإن التّعليم يقوم على زيادة ثروة الامم وزيادة الانتاج على المدى الطويل، مما يساعد على ظهور نظرة جديدة في التّعليم كإستثمار.
التّعليم_كإستثمار: استندت النظرة الى التّعليم بإعتباره نمط استثمار من خلال العديد من المبرّرات، فهو يعزّز من قدرة الفرد الانتاجيّة للحصول على الدّخل المناسب، وهذا ما يؤدّي الى زيادة انتاجيّة المجتمع، فيرفع من معدّل الّدخل القومي، ويحقّق الرفاهيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، كما ويقوم التّعليم بتنمية قدرة الفرد للبحث عن مشاكل المجتمع ومعالجتها وتحقيق النّمو الاقتصادي، وايضاً مساهمته في تكيّف الفرد مع متطلبات العمل في ايّ قطاع وفي مختلف الظّروف.
يرى ماركس ان التّعليم يساعد على النّمو المهني والتكيّف، واستيعاب تطبيقات الثورة التكنولوجيّة والتّغيرات في وسائل وعوامل الانتاج. ويري وليام_بيتي العالم الاقتصادي الذي نظر الى التّربية بإٍعتبارها عمليّة إٍستثمار وتوظيف للاموال وحاول قياس رأسمال البشري.
فكيف تكون التّربية إستثماراً؟ تكون التربية إستثمار للبشر بإعتبارهم ثروة إقتصادية، وأيضاً إستثماراً من أجل إستغلال التّكنولوجيا الحديثة وإستثمار من حيث كونها وسيلة لخلق القوى العاملة ذات الكفاية العالية من أجل الحصول على أعلى إنتاجيّة، وهذا ما يوضّح أهميّة الرّأسمال البشري في هذا العصر بفضل نوعيّة التعّليم الذي يتلقّاه أفراد المجتمع ،لأنّه يشكل متغيّراً اساسياً في ارتفاع معدّلات النّمو الإقتصاديّ، ويتبلور هذا التّعليم في احداث ابتكارات والتي بدورها تتحوّل الى تكنولوجيا، ونعني بذلك قدرة الفرد على التّفكر والابتكار والابداع المستمر، وامتلاكه المهارة الذهنيّة والعقليةّ في التّعامل مع هذا الفائض المعلوماتيّ المستجدّ، والّذي يتطلّب تعلّماً ذاتيّاً مستمرّاً لمدى الحياة.
لذلك، نجد ان كثيراً من دول العالم تسعى جاهدة ل الحدّ_من_الاميّة ومحاربتها وتشجّع على العلم والتعلّم، كما هو الحال في الدّول المتطورة. فالعلم هو المفتاح لكافّة انواع العلوم والمكتسبات، لكون التّعليم هو العامل الاساسيّ للتّنمية الاقتصاديّة والّتقدم الاجتماعيّ في إحداثه لعمليّة التّغيير والتّحول المجتمعّي الفاعل من النّاحية الذّهنيّة والوجدانيّة والاجتماعيّة وتكوين الإّتجاهات القيميّة والسّلوكيّة. فالتّعليم لايخدم الفرد فقط بل المجتمع ككل، بل ويساهم في نموّ الوطن اقتصاديّاً، وهذا ما ادّى الى القيام بدراسات عديدة من قبل المهتمّين والمتخصّصين لمعرفة الأهميّة الاقتصاديّة للتّربية.
بين التّربية و التّعليم: أية مقاربة؟!..
Hiba Chahalإعداد
إن الاهتمام الكبير الذي يحظى به التعليم بشكل عام يرجع الى اثر التعليم على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفرد، الذي يكسبه المعارف والمهارات والقدرات التي تمكنه من ان يصبح فردا فاعلا في مجتمعه ووطنه.
• يقصد بالتربية: بأنها هي عملية تحويل عامة، وهدفها الاساسي هو أنسنة الإنسان ودمجه في المجتمع، والتّربية والتّعليم ليستا مترادفتين، بل بينهما العموم والخصوص، فالتّربية اعم واشمل من التّعليم الذي يقتصر على حدود ما يتلقاه الفرد من معلومات ومهارات يقدمها المعلم له خلال الحصة الدراسية. اما التّربية فهي تقتصر على التعلم خلال الحصة الدراسية وخارجها وكل ما يتلقاه الفرد مع المعلم او بدونه ( الموسوعة العربية العالمية) .
• يقصد بالتعليم: بأنه جملة ما يكتسبه الفرد من حقائق معرفية عبر الوسائل المتاحة للتعلم، والتّعليم كما ورد في معجم لسان العرب يشتقّ من علم الشىء أي أحاطه وأدركه وعلّمه العلم والصّنعة تعليماً وعلاما، جعله يتعلمها ومن معانيه” الاتقان ” فيقال علم بالامر وتعلمه: أي اتقنه وعلمت الشيء بمعنى عرفته وخبرته( مهدي التميمي، دراسات في الفكر والاداء التدريسي).
ينحصر التّعليم على الجانب العقلي للفرد، فهو يقوم بإيصال المعلومات له وهذا يتطلب الفهم والإستيعاب لتلك المعلومات وترجمتها عمليّاً الى الواقع، وهو يشير الى كونه جزءاً من عملية التربية. وقد عّرف “اميل_دركهايم” التّعليم بأنّه الإنعكاس الذي يطبق بطريقة منهجية على امور التّربية. والتّعليم بأوسع معانيه يشمل استفادة الفرد من كل ما يمر به من تجارب استفادة تجعله اقدر على التّصرف والسّلوك، فيستخدم ما يكتسبه من خبرة الماضي في مواجهة المشاكل المستقبلية ومعالجتها.
يمكن تقسيم التّعليم الى” ثلاثة أنماط من دون أن يكون المقصود في ذلك حصرها او الحدّ من امتداداتها المتشعّبة:
النّمط الاوّل: التّربية_الّتلقائيّة هي التي يكتسبها الانسان تلقائيا من البيئة الاسرية وهي البيئة الطبيعية التي ينخرط الطفل بعاداتها وتقاليدها ويتأثر بها ويتفاعل معها، فيختبر ويتعلم على النحو التلقائي بمبادرة شخصية معتمداً بذلك على وسائل مختلفة مثال وسائل الاعلام والاتصال ( كالراديو والتلفزيون، والجرائد والانترنت..) وايضا من خلال الإرث الثقافيّ والعلميّ ( مكتبات، مجلاّت، متاحف، موسوعات…).
النّمط الّثاني: التّربية_اللّانظاميّة وتبدأ في العائلة وفي المؤسّسات المجتمعيّة كالنّادي ودور العبادة والشّارع والمصنع والشّركة، أو تلك الي يتلقّاها عبر وسائل الاعلام. هذه المؤثّرات تتحول مع الفرد الى مسلك ما أو مهارة ما أو معرفة ما، وتتكامل لتسهم في تغيير شخصيّته وتنميتها ضمن الحد الادنى من الضبط والتّوجيه الذي تحكمه العادات والتقاليد والقيم والمبادئ التي يقوم عليها اي مجتمع، كما تحدده القوانين والانظمة النّافذة.
النمط الثالث: التّربية_النظاميّة وهي الّتي يتلقاها المتعلّمون في المدرسة، ويتميّز هذا النّوع بإدارته المركزيّة من قبل المعلمين واعضاءهيئة التّدريس الذي يقومون بدورهم بعملية المراقبة والتّقييم المستمرين للمتعلمين، فهو اكثر الانماط تأثيراً لأنّه يدور خلال عملية ضبط وتوجيه شبه كامل للتّربية، وتكون مبنية على اسس فلسفيّة واجتماعيّة وسيكولوجيّة شاملة، من دون تمييز بين المواطنين. وهذه العمليّة يفترض أن تتم من خلال خطّة تربويّة متكاملة ونظام تربويّ له حدود وآفاق معروفة سلفاً. الا ان التّعليم النظامي يجب ان يتضمّن نشاطات ومساحات من الحرية تعطي النّظام نكهة خاصّة تصله باستمرار بالتّعليم اللانظاميّ.( فيرا صليبا، دور الاهل والاعلام في التربية).
يتأثر التّعليم بمتغيّرات عديدة خاصّة في مجال تحديث و تطوير_المعارف التي تبرز ملامحها في الحياة الثقافيّة اليوميّة والموجودة في عصرنا الحديث، بدخول التّقانة الى التعليم، فالتّعليم هو الاداة الاساسية لنشر العلم ولإختراع التّكنولوجيا، إضافة الى ذلك، لايمكن الفصل بين التّطورات الترّبوية الّتي مرّت بها البشريّة، وعمليّة انتاج المعرفة، فالتّربية بإختصار هي تداول الخبرة وتواصلها عبر الاجيال، وتصبح الخبرة هي جوهر العمليّة التربويّة التي لها ابعادها المعرفيّة، كما لايمكننا ان نجرّد تلك المعرفة عن اطارها الاجتماعيّ المنتج لها والمستثمر لها. ومن ثم لايمكن أن يكون تداول الخبرة منعزلاً عن الاطر_الاجتماعيّة الّذي تجري على اساسها عمليّة التّداول. من هنا تتحدّد مقولة “مانهايم” الّذي يؤكّد فيها ان المعرفة منتوج_اجتماعيّ “انتاجاً و استهلاكاً“.( عصام هلال، طلعت فايق: قضايا في علم اجتماع التّربية المعاصرة ).
متى يكون الأستاذ سبباً في فشل الطالب ؟
د.زكريا بيتية
لا شك أن الأنظمة التربوية تتغير وتتبدل بحسب المراحل التعليمية .. ولا شك أن التبدل يطرأ أيضاً مع التغير في الأحوال والأزمان، بحسب البيئة التعليمية السائدة، ومع ذلك يبقى من أهم واجبات المحاضر خاصةً في مرحلة التعليم العالي، اهتمامه بجانبين أساسيين في العملية التعليمية، الجانب الأول هو عملية نقل المعرفة و إكسابها للمتعلم .. والجانب الثاني هو ضمان الإنتظام العام … وتحت هذين العنوانين الأساسيين تندرج العديد من العناوين الفرعية سواءً التعليمية منها أو الإدارية ..فتحت العنون المعرفي يتم تحديد توصيف المواد وأهدافها التعليمية أي المدخلات والمخرجات المعرفية ومن ثم المراجع العلمية والجوانب التطبيقية وعدد المحاضرات ومضامينها وتقسيمات الدرجات .. وتحت العناوين الإدارية يتم التأكد من إنتظام الطالب في المحاضرات و مدى التزامه بكافة التعليمات ومدى مشاركته وتقديمه للواجبات إضافة للشفافية في الإمتحانات والعدل في نيل الدرجات ..
لكن قبل كل ذلك وبعده، فإن من واجب المحاضر أن يعمل على تسهيل قبول المادة التعليمية للطالب ففي الظروف الحالية أصبح المحاضر بمثابة ميسر للمادة التعليمية أو منسق لها .. أكثر من ذلك أو أقل بقليل .. والمحاضر الذي يعتقد أنه مصدر مهم أو وحيد للمعرفة، هو واهم .. كما أن المحاضر الذي يعتقد أنه على مستوى متقدم من حيازة المعلومات أو الرأي السديد بحيث لا يضاهيه رأي آخر أو يقارعه أستاذ آخر فهو أستاذ عقيم ينقل لطلابه المعرفة بأبشع صورها وسينقلب الطلاب معه وبجهوده إما إلى مجموعة من الناقمين عليه وعلى الوقت الذي قضوه معه، مضطرين، أو أنهم سيتقمصون منه هذه الشخصية المقيتة بل لعله هو أصلا كان قد تقمص شخصيته هذه …
فلا بدّ من أن يعيد كل أستاذ النظر في طريقة تعامله مع طلابه، مع ما ينعكس بشكل مباشر على الجانب المعرفي الذي يتلقاه هؤلاء الطلاب .. فالطلاب ليسوا هم فقط مطالبون .. بل أيضاً أعضاء الهيئة التعليمية، فهم المصدر، وعليهم تبنى الكثير من الآمال .. وكم من أستاذ كان سبباً في نجاح الطالب، وكم من أستاذ تسبب بفشل بعض طلابه ..
رأفةً بطلابنا .. عاملوهم كما كنتم تحبون أن تُعامَلوا .. حتى لو لم يُقَدَّرْ لكم ذلك …
د.زكريا بيتية
لطالما اعتمد التعليم على مجموعة من المدخلات التي يعمل الأستاذ – أوالمحاضر في التعليم العالي – على نقلها إلى المتعلم وفق المنهج التعليمي المعتمد .. ويهدف هذا المنهج عادة إلى ربط المعطيات التعليمية بعضها بالبعض الآخر بحيث تكون هناك سلسلة مترابطة بنسبة كبيرة، توصل الطالب إلى مجموعة من المدركات المعرفية لتؤسس للمرحلة التالية، فمن مرحلة الروضات إلى مرحلة التعليم الأساسي، ومن مرحلة التعليم الأساسي إلى مرحلة الإعدادي ومنها إلى مرحلة الثانوي، فالجامعي، فالدراسات العليا ..
هذه المقدمة تشير إلى الآحادية التي كانت سائدة في الإتجاه التعليمي من الأستاذ نحو الطالب .. وكان دور الطالب يقتصر هنا على الإستيعاب والفهم والمتابعة والحفظ وفي أحسن الأحوال تكرار التمارين أو البحث الإضافي في حدود المطلوب من المقرر التعليمي .. وبهذا على سبيل المثال في التعليم الثانوي، يعرف الـ : Annale، في المواد العلمية الذي يتضمن نماذج إضافية من الإمتحانات والتمارين التي ترفع من مستوى الطالب وتطبيقه نوعاً من المراس على حل المشكلات العلمية التي تعرض عليه.
اليوم، ومع التعليم الإلكتروني تغيرت القواعد بين الأطراف .. خاصة وأن التعليم الحديث يفرض قواعد جديدة بديلة عن التلقين ونقل المعلومات وفق القاعدة آحادية الإتجاه .. حيث بات المتلقي (أي الطالب) شريكاً بنسبة مهمة من العملية التعليمية، شراكة مسؤولية وواجب .. عليه أن يؤمّن البيئة التعليمية ابتداءً، ثم العمل الدائم على إيجاد وتثبيت الدافع على المثابرة، ثم المتابعة واليقظة أثناء المحاضرات، المشاركة في النقاشات، المشاركة في التواصل المعرفي، الصف المقلوب على سبيل المثال، وأبعد من كل ذلك، المزيد من البحث عن المعلومة، بل البحث عن مزيد من الملفات والمقررات التي تشبه وتخدم وتصب في نفس الأهداف التعليمية والمعرفية، والتي تعرض على الطالب عند بداية كل مقرر، .. طبعاً بعض هذه المحطات يتوقف على نوعية وأسلوب المحاضر، لكن في التعليم الإلكتروني، كثيراً ما يشعر المحاضر أن أداء الطلاب ودرجة ونوعية متابعتهم تفرض عليه نوعية إدارة الجلسات، بل وكم ونوعية المعلومات والمعرفة التي ينقلها لهم ..
وكلما وجد المحاضر أن الطلاب حريصون على التعليم التشاركي، كلما أفسح المجال لهم للمشاركة والنقاش، بل ويسعد في أن يتولوا هم بأنفسهم البحث والإعداد والتقديم .. لا من باب التواكل، بل من باب تحقيق أكبر نسبة من الجهد من طرف الطلاب الذين لن يستفيدوا بالإستماع والتلقي كما سيتمكنوا من الإفادة من البحث والإعداد والتقديم ..
في المقابل فالمحاضر يشعر بشكل مباشر بأن الطالب يحضر الجلسة التعليمية عبر الإتصال الإلكتروني ليثبت حضوره فقط ، وهو لا يستفيد من الفرصة والمرونة الشكلية التي فرضتها الظروف وألقت بظلالها على العملية التعليمية .. ويضطر حينها إلى الزام الطالب بدراسة المقررات وانجاز الأعمال التشاركية، وهذا يتنافى مع جوهر العملية التعليمية الإلكترونية التي بدأت قبل جائحة كورونا وآثارها على العملية التعليمة، حيث كان التعليم عن بعد يستخدم أكثر ما يستخدم في الدورات التدريبية، والكورسات المتخصصة، و كانت تعتمد على رغبة جامحة من المتعلم للمشاركة في العملية التعليمية لتأمين نسبة متقدمة من المدخلات المعرفية والمهارات المكتسبة وإن على المستوى النظري حيث يسعى المتعلم لاحقاً إلى تحويل ما يمكن تحويله إلى مهارات فعلية وعملية.. أو على الأقل تثبيت المعلومات عبر المزيد من البحث والتدقيق العلمي .
فهل طلابنا اليوم على هذا المستوى من المسؤولية .. ؟
طبعاً .. للحديث بقية ..
لا شك أن للتعليم العالي الجامعي شؤوناً وشجوناً كثيرة، وهي تمتد مع امتداد الأجيال وتوارثها للمهمة التي قد تكون الأهم في مسار إنتاج المجتمعات..
سنتوقف في هذه السطور عند الإتصال والتواصل في عملية التعليم عن بعد، فقد بات من المعروف أن مجمل الجسم التعليمي قد تجاوز المرحلة الإنتقالية من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد، وأن كل مؤسسة أوجدت لنفسها جانبين أساسين : الأول إعتماد التطبيقات المناسبة للتعليم والتواصل مع الطلاب، والثاني تعديل الأنظمة الإدارية بما يتناسب مع متطلبات الجانب الأول.
فيما خص إعتماد التطبيقات المناسبة سواءً zoom أو Google meet أو WebEx أو Microsoft team، أو غيرها من التطبيقات التي باتت جزءاً أساسياً ويومياً من التعليم وهي وإن إختلفت في بعض خدماتها وتقديماتها ومستوى سريتها فهي تشترك في مهمة أساسية وهي نقل حالة التواصل من الإفتراضية إلى تأمين أكبر نسبة ممكنة من الواقعية في التواصل، فالحال أننا لم نعد نعيش في تلك الحالة الإفتراضية فالأشخاص موجودين فعلياً خلف الأجهزة الإلكترونية وهم أشخاص حقيقيون والتواصل القائم هو تواصل حقيقي بالصوت والفيديو، و حالة التواصل هذه و إن تدنت عند البعض من الأِساتذة الذين لا يقومون بتشغيل الكاميرات أثناء المحاضرة ( دون أي مبرر تقني ) أو عند الطلاب الذين يغادرون المكان ظناً منهم أن المحاضر لا يدرك ذلك.. إلا أن مجموعة كبيرة من المحاضرين ومن الطلاب هم من المواظبين على المستوى التقني والتشاركي بما يسمح بتأمين أعلى نسبة من العملية التعليمية وتعويض النقص الحاصل في الإتصال المباشر بنسبة بديلة من الإتصال التقني وآثاره المباشرة، حيث تقل الإفتراضية إلى أدنى مستوياتها لتصبح الغرفة ذات أبعاد تقنية بدل الغرف الخرسانية، فيعيش أحدنا ضمن هذه الأبعاد التي فرضت نفسها علينا أصلاً في تواصلنا اليومي عبر التطبيقات المختلفة ..
والحال أن الإتصال خسر من ناحية، لكنه عاد وكسب من جوانب عديدة أخرى ليس أقلها تأمين التواصل العابر للجغرافيا عبر الاتصال العابر للمدن والبلدان والقارات، وهو أيضاً عابر للزمن ليس فقط من خلال الفورية والآنية، بل من خلال تمكين كل الأطراف من إعادة الإستماع والمشاهدة اللاحقة ولمرات متعددة وبحسب الظروف الشخصية المتاحة، وهذا كله يسير بإتجاه تحميل الأطراف جميعها سواءً الإدارية منها أو التعليمية أو الطالبية نفسها مسؤولية دفع العملية بإتجاه النجاح..
هنا يطرح أكثر من سؤال حول نجاح كل طرف من أطراف العملية التعليمية في أداء دوره بما يسمح لمجمل العملية التعليمية من السير بالإتجاه المطلوب .. والإشكالية الكبيرة في هذا المضمار أن إكتشاف الثغرات في هذه التركيبة قد يأتي متأخراً بحيث لا يتسع الوقت لإعادة التقويم .. ولعل من الضروري بمكان ما، خاصة في العملية التعليمية الجامعية، أن يقف كل طرف من الأطراف ليتساءل ويقيم أداءه تمهيداً لتعديل المسار والإستفادة من المرونة التي فرضتها الاحوال المستجدة .. خاصةً وأنّ الجميع ودون استثناء يؤكد أن لا عودة إلى الوراء حتى لو عادت العملية التعليمية إلى سابق عهدها أو ما يشبه ذلك .. وإن كان أحداً لا يتوقع ذلك ..على الأقل في المدى المنظور ..
وللحديث بقية ..
د.زكريا بيتية