كتبت هبة شهال *
لطالما كانت التربية وماتزال محورا للإهتمام، فالتربية لا تقتصر فقط على السنين الأولى من عمر الانسان بل تتعداها الى جميع مراحل حياته الاسرية والمدرسية. وبدخول الطفل الى المدرسة تبدأ عملية الإندماج والإرتباط بين التربية الأسرية والتربية المدرسية في تكوين شخصيته حيث التشجيع والتحفيز لمساعدته للإنتقال من المجتمع الصغير إلى المجتمع الأكبر المليء بالتجارب والثقافات المختلفة.
فالطفل ليس ابن وراثته من الناحية البيولوجية فحسب بل هو إبن بيئته من الناحية الإجتماعية. هذا الإنسان الذي تربى وسط عائلة مناخها مليء بالعاطفة والإهتمام ومناخ مدرسي يمهد سبل التفكير والإبداع ليتمكن اثبات ذاته بتفوقه وتطوير مجتمعه ووطنه. فالهدف هنا هو تكوين وتنشئة الطفل المبدع والمتفوق في ظل جهود كل من الأسرة والمدرسة على حد سواء، فلا تربية الأسرة وحدها تكفي للوصول للنتيجة المرجوة ولا حتى البيئة المدرسية وحدها قادرة على إعطاء النجاحات دون تعاون كل من الأسرة والطفل والمدرسة من حيث الدور التربوي والتوجيهي التكاملي، مع ضرورة توفير بيئة ثقافية وإجتماعية تساعد على نمو التفكير الإبداعي للطفل.
ولابد من الاشارة أن التربية اليوم تختلف مع تطور الزمن، فتربية جيل الآباء تختلف عن جيل الأبناء خاصة في ظل التحديات والتطورات الحديثة على صعيد التكنولوجيا المتطورة الغنية بالمعلومات التي لا تنتهي والتي تنم عن التفكير الإبداعي للإنسان، هذا الفكر الذي يتميز بإبتكار ماهو جديد في كل عام في مجال التكنولوجيا ذات التقنية العالية، ما هو إلا وليد الإنسان المخترع والمبدع وفضوله في معرفة سرّ الموجودات عن طريق البحث والإكتشاف، فالفرد الذي يسعى ويبذل جهده في التفكير ليحصل على مايريد من المعارف، هو فقط الذي لديه الإصرار على مواجهة التحديات وهو الذي لا يقبل بالهزيمة ولا بالخسارة، هذا النوع من الافراد ليس عاديا فهو لايرضى بالواقع الذي يعيش فيه، إنما هو الإنسان الذي يسعى الى تطوير ذاته وبالتالي مجتمعه ووطنه بالجد والطموح لا بالكسل والإرتخاء. فمثلما نجد تلامذة يتصفون بالكسل لسبب او لاخر، كذلك نجد ايضا تلامذة في غاية
النباهة والفطنة والتميز، بدليل أننا نجد طلابا متفوقين متميزين يسعون دائما للمحافظة على النتيجة أو المعدل الذي يخولهم من التمتع بهذا المركز بشكل مستمر. فهولاء يتمتعون بمستوى ذكاء مرتفع وبمجموعة من الخصائص العقلية والعاطفية الخاصة بهم، فليس الوصول الى مرحلة التفوق بالأمر السهل واليسير دون تعب وإجتهاد، وبالتالي ليس بإمكان كل طالب بان يكون متفوقا إلا من خلال بذل مجهود ذاتي للتلميذ أي عوامل نفسية وعقلية، كذلك يكون من خلال اهتمام الاهل ومتابعتهم لأولادهم من الناحية المادية والثقافية وتأمينهم للجو والمكان الملائمين للدراسة، ويكون ايضا نتيجة للعلاقات الإجتماعية المحيطة بالتلميذ (الادارة والاساتذة، زملاء الدراسة، الأصدقاء).
ومما لا شك فيه، ان انسان اليوم لايمكن ان يعيش وحيدا في هذا العصر، فهو يتأثر بكل من يحيط به بدأ من أقرانه في البيت واقربائه وزملائه في الدراسة وأيضا رفاق الحي أو مكان السكن، حيث يقوم بالتفاعل معهم ويتأثر بعلاقته معهم من ناحية السلوك والاهتمام بالدراسة فهو يتأثر بأقرب الناس اليه ولو كان بعيدا عنه في المسافة الجغرافية، فقد اصبح بإمكان المرء التواصل مع الآخر بفضل اقتناء الأجهزة الإلكترونية الحديثة، والتي تتمثل باستعمال الإنترنت وأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية وتطبيقاتها. هذا العالم الذي أضحى مفتوحا على مصراعيه بالعلاقات الاجتماعية التي يكونها، واصبح الصغار قبل الكبار والطلاب بالتحديد متأثرين بها، ولا يمكن هنا اغفال التأثير الكبير الذي تلعبه هذه الوسائل من خلال قوة الجذب التي تتبعه على اختلاف انواعها والتي تؤثر على عقول الابناء وطريقة عيشهم، وبالتالي على سلوكياتهم الاجتماعية والتربوية والتعليمية.
لهذا من الضروري عدم كبح هذه الشخصية الموهوبة في عطائها الفكري، بل يجب اكتشاف هذه الهبة لدى الاطفال واحتضانها وحثّها ودعمها وتطويرها من قبل الاسرة من جهة و من المؤسسات التعليمية والاجتماعية من جهة اخرى لانها تعتبر من ضمن مسؤولياتهم.
* ماجستير في علم إجتماع التربية