
فلسفة السفر

كشفت دراستان متميزتان في مختبر ليون لعلم اللغويات عن بعض الجوانب المذهلة للغات البشرية، حيث طرح فريق من اللغويين سؤالا مثيرا للاهتمام انطلاقا من أن بعض اللغات يُتَحدث بها أسرع من أُخر، متسائلين: هل ذلك يجعلها أكثر كفاءة في نقل المعلومات؟
وقال موقع ليزيكو الفرنسي في مقال بقلم ليان فيردو، إنه من المسلم به أن بعض الناس يتكلمون أسرع من بعض، موضحا أن هذه الاختلافات في تدفق الكلمات لا توجد فقط بين متحدث وآخر، بل أيضا بين لغة وأخرى، إذ لا نحتاج إلى كبير عناء لإدراك أن اليابانية والإسبانية تتحدثان بسرعة.
وقد قام فريق من اللغويين من مختبر ديناميات اللغة بجامعة لوميير/ليون 2 بتجربة نشرت نتائجها الشهر الماضي في مجلة “ساينس أدفانسد”، حيث طلب علماء اللغة من 170 متحدثا من 17 لغة مختلفة قراءة سلسلة نصوص بصوت عال، وطبقوا على تسجيلاتهم طرق وأدوات التحليل الموروثة من نظرية المعلومات لكلود شانون الرائعة.
فكانت الملاحظة الأولى أن كون بعض اللغات التي تبدو أسرع من غيرها لدى الأذن لها ما يبررها تماما، إذ يتراوح معدل المقاطع المنطوقة في الثانية تقريبا من عدد معين إلى ضعفه، حيث يكون 8.03 مقاطع في الثانية في اللغة اليابانية ونحو 5.25 مقاطع للغة الفيتنامية وحتى 4.70 مقاطع للغة التايلندية، كما تقول الصحيفة، مشيرة إلى أن هذه الاختلافات لا ترتبط بالتوزيع الجغرافي لأن اللغات الآسيوية تقع في طرفي الطيف.
صحيح أن الحياة تحمل الكثير من القيم في طياتها، قيم لا بدّ لكل مجتمع أن تتوفر فيه من أخلاق، صدق، ثقافة … لتنظمه وتدير أحواله نحو الأفضل، ولكن يبقى الإنسان هو الصانع والناقل الحقيقي لتلك الثقافات ذات المفهوم المتشعب والواسع، فالكلام ثقافة، والأفكار ثقافة، والرياضة ثقافة، والسلوك ثقافة، وحتى الحوار ثقافة
قد يتبادرإلى الذهن أن مصطلحي تربية ثقافية وثقافة تربوية يحملان المعنى ذاته، أجل ولكن هناك فرق بسيط بينهما، فالتربية الثقافية تختص بها الأسرة إذا اتفقنا أنها البيئة الأساسية الحاضنة لثقافة الإنسان، فمنذ الصغر يحاول الأهل غرس القيم الإيجابية في عقول أولادهم لتكون ملزمةً وموجهةً لهم عند النضج في كل قراراتهم وتصرفاتهم وميولهم وأفكارهم، فالتربية الحسنة توجد نوع من الثقافة وتصقل مفهومها، فمنذ القدم لعبت التربية دور المثقف الأول للأجيال غير أن تشعب مفهوم الثقافة بشكل كبير سواءً من حيث كثرة السكان أوعمق مفهوم الثقافة واختلافه من جيل لآخر ومن بلد إلى بلد وحتى من منطقة لآخرى ضمن البلد ذاته، جعل البعض ينشأ في ثقافة تقدر أهمية التواضع والالتزام وعدم الإسراف، والبعض الآخر تتمحورثقافته حول الأدب بكل أنواعه لاعتقادهم أنه يغذي العقل ويهذب السلوك كما أنه يساعد الإنسان في التعامل مع ما قد يتعرض له من مشاكل واختيار أفضل السبل لمعالجتها
كما أن مفهوم الثقافة يقودنا إلى حقيقة مفادها أن الثقافات تتنوع بتنوع الأمم والجماعات فكل أمة تفكر بطريقة مختلفة عن غيرها وتستخدم رموزًا تحمل معنى إيجابيًا لديها في حين أنه يعني النقيض عند أمة أخرى
بينما إذا انتقلنا لتفسير معنى ثقافة تربوية فهي بمعناها مكمل للتربية الثقافية ونتاج لما غرسته الأسره في عقول أولادها، من حيث كونها مجموعة من المعلومات والأفكار والخبرات المكتسبة من التربية التي نحتاجها في تكوين البيئة التربوية أي أن التربية الثقافية تسبق الثقافة التربوية بخطوة واحدة إن صح التعبير فهي تهيئ الإنسان وتعطيه المبادئ الأساسية ليقوم بدوره بتلقينها ومنحها لغيره حسب مكان وجوده سواءً كمعلم أو مهندس أو طبيب أو أي مهنة كانت فالثقافة تشمل جميع التخصصات وليست حكرً على أحدها
وهنا فالثقافة التربوية تتمثل في العديد من الاتجاهات والطرق كالكتب، والروايات، والمناقشات، والندوات، والأفلام … لذلك وجب ارتباط الوعي بالثقافة لتوجيهها نحو أفضل الأهداف فليس هناك فائدة من قيمة مخبأة في عقول أصحابها لانفع لها ما لم تطبق على مواقف تثبت صحتها وأهمتها
وفي نهاية المطاف، يتبين لنا التكامل بين المصطلحين وإن كان أحدهما يسبق الآخر ولكنهما يصبان في الخانة ذاتها ألا وهي صقل ثقافة الإنسان نحو أهداف أسمى سواءً كصفات خارجية لها علاقة بالمظهر أو كجوهر يتميز به الإنسان من الداخل كالأفكار والقيم وحتى طريقة تعامله مع الناس