Month: August 2018

تربية ثقافية أم ثقافة تربوية – زائدة دندشي

 

صحيح أن الحياة تحمل الكثير من القيم في طياتها، قيم لا بدّ لكل مجتمع أن تتوفر فيه من أخلاق، صدق، ثقافة … لتنظمه وتدير أحواله نحو الأفضل، ولكن يبقى الإنسان هو الصانع والناقل الحقيقي لتلك الثقافات ذات المفهوم المتشعب والواسع، فالكلام ثقافة، والأفكار ثقافة، والرياضة ثقافة، والسلوك ثقافة، وحتى الحوار ثقافة

قد يتبادرإلى الذهن أن مصطلحي تربية ثقافية وثقافة تربوية يحملان المعنى ذاته، أجل ولكن هناك فرق بسيط بينهما، فالتربية الثقافية تختص بها الأسرة إذا اتفقنا أنها البيئة الأساسية الحاضنة لثقافة الإنسان، فمنذ الصغر يحاول الأهل غرس القيم الإيجابية في عقول أولادهم لتكون ملزمةً وموجهةً لهم عند النضج في كل قراراتهم وتصرفاتهم وميولهم وأفكارهم، فالتربية الحسنة توجد نوع من الثقافة وتصقل مفهومها، فمنذ القدم لعبت التربية دور المثقف الأول للأجيال غير أن تشعب مفهوم الثقافة بشكل كبير سواءً من حيث كثرة السكان أوعمق مفهوم الثقافة واختلافه من جيل لآخر ومن بلد إلى بلد وحتى من منطقة لآخرى ضمن البلد ذاته، جعل البعض ينشأ في ثقافة تقدر أهمية التواضع والالتزام وعدم الإسراف، والبعض الآخر تتمحورثقافته حول الأدب بكل أنواعه لاعتقادهم أنه يغذي العقل ويهذب السلوك كما أنه يساعد الإنسان في التعامل مع ما قد يتعرض له من مشاكل واختيار أفضل السبل لمعالجتها

كما أن مفهوم الثقافة يقودنا إلى حقيقة مفادها أن الثقافات تتنوع بتنوع الأمم والجماعات فكل أمة تفكر بطريقة مختلفة عن غيرها وتستخدم رموزًا تحمل معنى إيجابيًا لديها في حين أنه يعني النقيض عند أمة أخرى

بينما إذا انتقلنا لتفسير معنى ثقافة تربوية فهي بمعناها مكمل للتربية الثقافية ونتاج لما غرسته الأسره في عقول أولادها، من حيث كونها مجموعة من المعلومات والأفكار والخبرات المكتسبة من التربية التي نحتاجها في تكوين البيئة التربوية أي أن التربية الثقافية تسبق الثقافة التربوية بخطوة واحدة إن صح التعبير فهي تهيئ الإنسان وتعطيه المبادئ الأساسية ليقوم بدوره بتلقينها ومنحها لغيره حسب مكان وجوده سواءً كمعلم أو مهندس أو طبيب أو أي مهنة كانت فالثقافة تشمل جميع التخصصات وليست حكرً على أحدها

وهنا فالثقافة التربوية تتمثل في العديد من الاتجاهات والطرق كالكتب، والروايات، والمناقشات، والندوات، والأفلام … لذلك وجب ارتباط الوعي بالثقافة لتوجيهها نحو أفضل الأهداف فليس هناك فائدة من قيمة مخبأة في عقول أصحابها لانفع لها ما لم تطبق على مواقف تثبت صحتها وأهمتها

وفي نهاية المطاف، يتبين لنا التكامل بين المصطلحين وإن كان أحدهما يسبق الآخر ولكنهما يصبان في الخانة ذاتها ألا وهي صقل ثقافة الإنسان نحو أهداف أسمى سواءً كصفات خارجية لها علاقة بالمظهر أو كجوهر يتميز به الإنسان من الداخل كالأفكار والقيم وحتى طريقة تعامله مع الناس

مستخدمو تويتر.. منطقيون صباحا عاطفيون مساء

نشر موقع الجزيرة أن دراسة واسعة لتحليل تغريدات مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي تويتر أجريت في بريطانيا أظهرت أن أغلبيتهم تميل للتفكير العقلاني والتحليلي في الصباح، ويصبحون أكثر عاطفية واندفاعا في المساء

وحلل الباحثون في جامعة بريستول البريطانية أكثر من ثمانية مليارات كلمة بثها  أكثر من 800 مليون مستخدم على موقع التدوينات القصيرة تويتر للوصول إلى هذه النتائج

وقام خبير الذكاء الاصطناعي نيلو كريستياني وزملاؤه في الجامعة بتقييم أخبار محللة على تويتر من أكثر من 54 مدينة رئيسية في بريطانيا على مدى أربع سنوات، حيث تم تصنيف التغريدات على أساس 73 مؤشرا ترتبط بأنماط التفكير المختلفة

وأظهرت الدراسة التي نشرت مجلة “بلس وان” العلمية نتائجها، أن رسائل تويتر في الساعتين الخامسة والسادسة صباحا تحتوي على أكبر قدر من الكلمات المرتبطة بالتفكير المنطقي والذكاء والتعليم. كما تسجل الكلمات التي تشير إلى المفاضلة والقوة حضورا كبيرا في هذا التوقيت

ماذا عن تقدير الذات ….؟؟

كتبت زائدة الدندشي

مراجعة أ.جاين متري

منذ القِدم وحتى يومنا هذا، كل شخص في الحياة يحبّ أن يكون سعيدًا، محبوبًا وناجحًا، يحب ان يحقق ما يطمح إليه، وبالمقابل فهو معرّض لمعوقات داخلية وخارجية قد تؤثر سلبا او ايجابا على أدائه وسلوكه وعلى نظرته في تقديره لذاته

وبما أن العلم هو طريق التحقق من الأشياء وإثبات صحتها، فإن دراسات عديدة أجريت في جامعة “ستانفورد” في كاليفورنيا أثبتت أن الثقة بالنفس هي عامل مهم في أي نشاط أو تصرف يلجأ إليه الفرد، حالها حال القدرات والمهارات تمامًا، كما أنها محفّزٌ أساسي في أي منحى من مناحي الحياة وعلى الرغم من ذلك فإنه يتعسّر على الكثيرين تطوير تلك الثقة وتطويعها لصالحهم في الحياة

من هنا، فإن تقدير الذات ركن رئيسي في سلوك الأشخاص وتصرفاتهم، ويقصد بها، وضعها في موضع يليق بها. أي أنه قرار يأخذه الشخص كأن يتخذ موقفا معينا تجاه نفسه، وكيف يشعر حيال ذلك سلبًا أم إيجابًا، وبما أن الأشخاص بطبعهم مختلفون في نظرتهم لذاتهم فمن الطبيعي أن يكون هنالك من يتمتّع بتقدير ذات مرتفع والعكس صحيح

تقدير الذات المرتفع

أي احترام وحبّ الشخص لذاته، وإيمانه بكفاءته، وثقته بقدرتها على تحدّي صعاب المشاكل سواءً أكانت اجتماعية أو عاطفيّة فهو بمحبته لذاته يحاول إيجاد عدّة حلول لما يواجهه في حياته من مشاكل

من جهة أخرى هو عملية تقييم الفرد لنفسه والتي تتم تراكميًّا نتيجة خبرات مرّ بها في حياته كبُعدٍ في بناء شخصيته، ولكن قد يتصف الشخص بتقدير ذات مرتفع في الحياة المهنية والدراسية وفي نفس الوقت بتقدير منخفض لتلك الذات في حياته العاطفية، في كلتا الحالتين هنالك تأثير لابدّ أن ينعكس على الشخص وأدائه ولكن، ماهي الأسباب والآثار لتقدير الذات المرتفع؟

إن علاقة الشخص بمحيطه الاجتماعي لهي من الأسباب الهامة في نظرته لذاته وطريقة بناءها، فالأهل، والأساتذه، والأصدقاء لهم تأثير كبير على تقدير الشخص لنفسه. فعلى سبيل المثال إذا كان للشخص علاقات متينة مع من حوله من أناس يساندونه ذلك كفيل بتقدير ذات طبيعي وبانعدام تلك العوامل فلن يستطيع الشخص تحقيق ذلك التوازن لذاته بالإضافة إلى أسباب أخرى منها

ردّة فعل الناس تجاه الأشخاص من خلال المواقف الحاصلة بينهم

خبرة الشخص ذاته في المنزل، العمل، المدرسة، المجتمع

المرض، العجز، الإصابة، العمر… وغيرها الكثير

فوائد تقدير الذات المرتفع

إن الشخص الذي يتمتع بتقدير مرتفع لذاته يعتبر نفسه شريكًا مهما في أي مجال من مجالات الحياة، وأن لديه القدرة على حل المشاكل التي تعترضه في حياته

كما أنه يدرك أن هنالك عدّة طرق في الحياة ليتقدّم ويطوّر مهاراته فيما يخدم الجميع، ويشعر أن لديه طاقات إيجابية وقدرات يؤمن بنقلها ومشاركتها مع الآخرين ممن حوله، وهو بطبيعته إنسان يقدم على التحدّيات باعتبارها فرصًا لتجربة شيء جديد وفي الوقت نفسه هو قادر على الاهتمام بذاته جسديًّا وعاطفيًّا

تقدير الذات المنخفض

والذي معناه أن يعطي الشخص قيمة أقل لآرائه، وقدراته، ومهاراته في الحياة وأن يركّز على نقاط ضعفه وأخطاءه في الحياة، وأن يشعر بأن الآخرين أفضل منه وقادرون على النجاح بينما هو لا

والشخص الذي لا يعطي ذاته حقها يخشى الفشل مما يدفعه لعدم معاودة الكرّة مرة أخرى في أي شيء يقوم به لأنه يسبب له التوتر والقلق

هنا من المؤكد أن عدة عوامل هي المسبب الرئيسي لانخفاض تقدير، منها العوامل الجينية، أو شكل الشخص الخارجي (وزنه، لونه، طوله)، مشاكله العاطفية كلها كفيلة بأن ينظر الشخص لنفسه نظرة دونيّة

 

مساوئ تقدير الذات المنخفض

من البديهيّ أن تكون هنالك تأثيرات سلبية لتقدير الذات المنخفض والتي قد تصل في أحيانٍ كثيرة إلى تدمير ثقة الشخص بذاته وتدمير نفسيته ووجوب اللجوء للطب النفسي من أجل العلاج

من أخطر تلك الآثار أن الشخص يشعر بأنه لا يمتلك سخصية إيجابية كما يسعر دائمًا بالحرج، والذنب، والغضب السريع من ذاته لذلك فهو يتصرف بطريقة سلبية تنتهي بتقليله من شأن نفسه واحترامها

بالإضافة إلى أنه يميل للانطواء وعدم المشاركة في النشاطات أو حتى الأحاديث العادية ويتصف بالتشاؤم والمظهر السلبي العام

ما من مشكلة خلقت دون حلّ لها، لذلك على الفرد أن يعرف نقاط قوته وضغفه، وأن يكون متصالحًا مع ذاته فقدرات الأشخاص لا يمكن أن تتشابه ولكل شخص مهاراته وقدراته التي تختلف عن غيره، ولا يُسيئ الشخص أن يلجأ لطبيب نفسي أو اختصاصي نفسيّ فهو وبحسب خبرته قادر على تسليط الضوء على بعض الجوانب الحياتية للشخص و أن يأخذ بيده نحو تقدير سليم لذاته

مما سبق، ولحياة سليمة بجوانبها كافة نفسيًّا، واجتماعيًّا، وعاطفيًّا… على الشخص أن يمتلك توازنًا عقلانيًّا ومنطقيًّا بكل ما لديه من طاقات، وخبرات، ونقاط قوة وضعف، فهو بإدراكه لها والعمل على تجاوزها يحقق لذاته التوازن السليم والذي سينعكس حتمًا على حياته بطريقة إيجابية، وذلك سيجعله واثقًا بقدراته ومنفتحًا على كل ما هو جديد لامتلاكه المرونة في التكيّف مع الأوضاع الجديدة بالإضافة إلى تمتعه بالواقعية فلا يعمل على رفع منسوب التوقعات لديه، كل تلك العوامل كفيلة بتحقيق التوازن السليم لديه وبالتالي تقديره السليم لذاته

Educating the Gifted & Talented: Reality or Chimera? An insight into the Lebanese education system

With #PEDAGOGY & #AL-Fayhaa Association

 Farah El-Halawani wrote :

Some children are blessed at birth with a gift that distinguishes them from the rest of the population. It is however the interplay of several external and internal factors that determines the fate of the gifted student population. They are either fortunate to get involved in programs that support the development of their gifts into talents, or they suffer cognitively, socially, and emotionally, and remain cursed for life. This article explores some of the strengths and weaknesses of the Lebanese education system and presents strategies that could possibly close the achievement gap between culturally and economically diverse gifted learners.

 

The State of Gifted Education in Lebanon

 

Within the immensely diverse student population at Lebanese schools, stakeholders tend to focus on intellectually high achievers who are offered informal enrichment programs to challenge them past their zone of proximal development (Vygotsky, 1978).  The other students however, underachievers and moderate achievers, are automatically opted out of these programs because they do not have the academic record (i.e. grades and reputation) that qualifies them for participation. Hence, they feel alienated and demotivated which impacts the optimal development of their natural abilities.

 

Evidently, Lebanese school settings favor bright students who excel in all disciplines and teachers are very conventional, do not encourage differing behaviors, and are not equipped with strategies to nurture the needs of advanced learners. Indeed, situational research findings corroborate that Lebanese primary teachers are not aware of the practices which are effective in identifying gifted and talented learners (Antoun, 2016). Despite the fact that teachers are not trained to identify and provide services for the gifted, they have expressed their desire to receive assistance and attend trainings to better understand and cater for the diverse gifted student population (Sarouphim, 2015). Whether exceptionally gifted, underachieving gifted, or twice exceptional, gifted and talented learners deserve to be appropriately identified and involved in programs that ensure their cognitive, social, and emotional development.

It is evident that the Lebanese education system necessitates a lot of founding effort to establish suitable programs grounded in current research for gifted and talented learners. Essentially, the movement towards changing conventional paradigms rooted in common myths and misconceptions that hamper understanding and acceptance of the gifted and talented requires the active engagement of advocates and professionals to induce transformative learning among the community. In fact, more studies should be conducted in the Lebanese context to create an enabling medium for the growth of abilities and the development of talents. School stakeholders should be aware that gifted learners are characterized by their asynchronous development and autotelic personality which makes them greatly resilient in face of challenges and highly efficient in solving problems (Renzulli, 2012). This implies that enabling environments that focus equally on cognitive and non-cognitive skills should be constructed to allow gifted learners to develop to their full potentials. Therefore, teachers should not be reluctant in testing and duly placing gifted learners in educational programs.

From Fables to Spherecards: modifying the current state

 

Determining identification procedures is an essential step towards establishing elaborate programs for the gifted and talented. Researchers need to examine the diverse gifted and talented population present in Lebanon to create a bank of strengths which should be used as a benchmark for subsequent phases of development.

 

Factually, Lebanon is an active hub in the MENA region attracting millions of refugees who have fled their homes due to civil war and other living shortcomings. Tripoli, the second largest city in Lebanon, has been a central point for Syrian and Palestinian refugees, in addition to its local inhabitants who altogether experience financial issues, violence due to unemployment, and instability due to the deteriorating political situation. Clearly, the Lebanese education system has to cater for all these groups of learners who underachieved or were forced to drop out of school, but still deserve to be academically challenged and nurtured up to their full potentials regardless of these adversities. It must be acknowledged however that proper identification of strengths takes into consideration learners’ multipotentiality, refrains from steering and directing passion areas towards normative and traditional domains, and allows for the exploration of multiple pathways before learners decide to focus and specialize in one or more talent areas (Gross, 2006).

 

To reflect back on the state of gifted education in Lebanon, although there are clear policies and regulations regarding special education (learners with intellectual and physical disabilities) that call for their inclusion and the provision of continual support and nurture of their disabilities, gifted and talented learners are excluded from these policies. Therefore, the advocates of gifted education should set clear goals, have an understanding of what is possible to change about the current state, establish a rationale and a long-term plan detailing the characteristics of gifted and talented learners and explaining why they need continuous challenge to be successful.

 

Notably, teachers and parents are essential contributors to the quality of gifted programs, hence the growing need to train them to enhance their self-efficacy and reliability. Correspondingly, because most of the cognitive development occurs before school-age, parents are actually more successful at identifying gifted milestones (e.g. abstract reasoning, sense of humor, intense curiosity, speech precocity, literacy precocity) that will not be expressed in a classroom where children learn to conform to peer pressure and mask their abilities. Thus, a mutual partnership between school and home needs to be established to increase validity of teachers and parents’ estimation of abilities.

 

Biography

Farah El-Halawani is a postgraduate student at The University of New South Wales. She has an MA in Curriculum Design and Educational Management and is currently specializing in Gifted Education. She works with Al-Fayhaa Association and PEDAGOGY to transform communities through Education.

Farah can be contacted at:

farah.helwani@pedagogycenter.com 

alfayhaa.association@gmail.com

and welcomes any questions.

 

هل أنت متوتر .. محبط .. اختر لنفسك كيف تكون

كتبت الدكتورة رولا حطيط

توتّر، قلق، إحباط، اكتئاب، وعدم القدْرة على الإنتاج والعطاء والعمل… مصطلحات تتردّد يوميًّا على مسامعنا، وفي أحيان كثيرة نعيشها، وإن بدرجات متفاوتة بين فرد وآخر
هذه الحالات النفسيّة * هي استجابات نفسيّة وسلوكيّة لدى الفرد عند محاولته التّأقلم والتّكيف مع الضغوط الداخليّة والخارجيّة، وقد صارت على قائمة اهتمام الأطبّاء النفسييّن، والمتخصّصين في التّنمية البشريّة والشّباب، اليوم

والواقع أنّ مشاكل متعدّدة تواجه الإنسان، وهو عاجز عن حلّها، إنْ لجهة فقدان عزيز؛ فيصاب بحالة حزن طاغٍ نتيجة صدمة، أو مشكلات اقتصاديّة ناتجة عن الفقر، أو تأخّر فرص الحصول على العمل، أو تأخّر الترقية، أو خسارة ثروة، أو لأسباب متعلّقة بالقمع والظلم كمسبّبات اجتماعيّة وسياسيّة (المحسوبيّة، التسلط…)، ويزداد الشعور بالإحباط مع حالات الفشل المتكرّرة بعد محاولات عدّة للنجاح، إضافة إلى شعور الفرد بأنّ المشكلات التي يواجهها غير طبيعيّة؛ وهو الوحيد الذي يتعرّض لها، فضلًا عن طموحات إنسان اليوم، وبين ما يمتلكه من إمكانيّات وقدرات ذاتيّة وما يوفّره له المجتمع منها؛ كلّها أسباب تؤدّي إلى إصابة الصّحة النفسيّة بشكل كبير، تدفعه إلى الوقوع في مشاكل نفسيّة

والشّخص غالبًا ما يضرّ نفسه بدايةً، فهو يصل إلى مرحلة عدم القدرة على التعايش مع من حوله، فيعجز عن التفاعل مع أسرته أو مجتمعه، ويصير شخصًا مختلفًا تمامًا نتيجة هذه الأعراض وما ينتج عنها من مشاعر مضطربة، ومن ثمّ يبدأ ببثّ الطاقات السلبيّة على الآخرين، ولا سيّما أنّ الأعراض النفسيّة معدية ومن السهولة انتقالها من شخص لآخر

بعد هذا العرض نتساءل: من المسؤول عن هذا الخلل؟

هل هو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان؟ هل هو الدولة لتقصيرها بواجباتها تجاه المواطن؟ أم الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة السائدة في مجتمعنا، والتي تسهم في تفاقم حالات عدم الرضا والإحباط لدى الأفراد والشعور بغياب العدالة الاجتماعيّة؟ وإلى أيّ مدى يؤثّر الأفراد أنفسهم بهذا الخلل، إنْ لجهة عدم إلمامهم بحاجات مجتمعهم أو عدم معرفتهم بأولويّاتهم؟ وهل يكمن الحلّ في تحديد هدف محدّد وممكن، إضافة إلى التفكير بشكل إيجابي لحلّ المشاكل التي تبدو مستعصية؟

ولأنّ تجنّب المصابين بهذه الأعراض وتجاهلهم مستحيل نتيجة كثرتهم في المجتمعات اليوم، فثمّة ضرورة لرصد بعض آراء المتخصّصين النفسيّين والاجتماعيّين وأيضًا في مجال التنمية البشريّة، الذين تحدّثوا عن كيفية مواجهة هذه الأعراض، خاصّة أنّنا نعيش في بيئات نتعرّض يوميًّا لضغوط وصعاب تحتاج إلى قوّة وصلابة في مواجهتها، وإلّا فلن نقوى على الاستمرار. وغالبًا ما يقول المفكّرون والقادة والمصلحون ورجال التربية إنّ على الإنسان أن يكون مثابرًا، مجدًّا، صبورًا، متقنًا لعمله، منظّمًا لوقته… إلى آخر القائمة الطويلة من مفردات (الجودة)، ولكنّهم لم يقولوا كيف يمكن للإنسان أن يفعل ذلك، وعلم النفس لا يهتم بالإجابة عن هذا السؤال أيضًا، فهو يناقش التشخيص ويضع الحلول من دون أن يبيّن الكيفيّة؛ فيدرس السلبيّات وأسبابها وكيفيّة التخلص منها. أمّا مدرّبو التنمية البشرية فيركّزون على توجيه السلوك وتعديله؛ فيناقشون الكيفيّة ويهتمون بها، ويدرسون الإيجابيّات وكيفية الوصول إليها، وذلك عن طريق تحسين قدرات الفرد وإمكانيّاته ومؤهلاته، عبر معرفة نقاط القوّة في شخصيته وتطويرها، ويشمل هذا التطوير القدرات العقليّة، ومهارات التواصل مع الآخرين، وتحسين قدرة السيطرة على النفس والمشاعر وردود الأفعال، وإكسابها مهاراتٍ عديدةً وسلوكًا إيجابيًّا. ولطالما ركّزت محاضرات التدريب في مجال التنمية البشرية على عدّ الأحاسيس وقود الإنسان، ومن دونها لا يستطيع أن يتحرّك، فهو لا يكون إنسانًا فعلًا إذا لم تكن موجودة فيه، كما أنّ المشاعر السلبيّة مسؤولة عن أشياء كثيرة ومنها السلوك. من هنا رأى المتخصّصون في التنمية البشرية أنّ الفكرة تسبّب إحساسًا يُترجَم سلوكًا، فشدّدوا على أنّ الانسان لو غيّر أفكاره وصل إلى تغيير حياته كلّها؛ فالذي تسيطرُ عليه أفكار الخوف، والتردُّد، والشكّ، غير الذي تسيطرُ عليه أفكار الشجاعة، والإقدامِ، والثقة، ويظهر الفرق بين الاثنين في حياتِهما، وسلوكهما، وعملِهما، وفي صحتِهما الجسميّة والنَّفسيّة

   يقول إبراهيم الفقي المدرب البارز في التنمية البشرية: نرى ما لا نريد ونريد ما لا نرى؛ فنفقد قيمة ما نرى ونضيع في سراب ما لا نرى، كن حريصًا على ألّا تفقد قيمة ما ترى

وقد وضع المتخصصون في التنمية البشريّة مجموعة خطوات تساعد الإنسان على مواجهة مشاكله والاستمرار بحياته، نذكر منها

 أن يركز على البعد الروحاني لتحقيق السلام الداخلي والصفاء الروحي

أن يبدأ بالتغيير من نفسه قبل أن يبادر إلى تغيير من حوله

أن ينظر إلى ما حوله بإيجابيّة ولا ينغمس في متاعبه

أن يعوّد نفسه  مسامحة الآخرين، ليس من أجلهم بل من أجل صحّته النفسيّة والجسميّة

 أن يدع أخطاء الماضي ويهتمَّ بالحاضر، ويستعدَّ للمستقبل

أن يسعى للعيش في حدود يومِه كي لا يستعجلَ مصاعبَ ومصائب قد تأتي وقد لا تأتي، ففي حديث لجورج برنادشو: «إنّ سببَ الإحساس بالتعاسة هو أن يتوافَرَ لديك الوقتُ لتتساءل: هل أنت سعيدٌ أم لا؟ إذا لم تشغَلْ نفسَك بالحق، شغَلَتْك بالباطل»

وأخيرًا، قيل ألّا نهتمَّ بصغائر الأمور فالنَّفس الكبيرة كالبحرِ لا يكدِّر ماءَه حجرٌ يُلقى فيه، ولا ألفُ حجر، والنَّفس الصغيرة كالبركةِ الصغيرة يكدِّر ماءَها مرُّ النَّسيم، فاختَرْ لنفسِكَ كيف تريد أن تكونَ

 


  م*مصطلح «حالة نفسيّة» يختلف اختلافًا كبيرًا عن المرض النفسيّ، فكل إنسانٍ يمرّ بحالات نفسيّة: فالراحة حالة نفسيّة، والحزن حالة نفسيّة، وكذلك القلق حالة نفسيّة، ولكن إن زاد الأمر عن حدّه، تتحوّل الحالة إلى مرض