ممارسة ثقافة الحوار وسبل تعزيزها
|ممارسة ثقافة الحوار وسبل تعزيزها
The extent to which dialogue culture and ways to promote it
إعداد الأستاذة الدكتورة هالة مختار الوحش
أستاذ أصول التربية – جامعة الأزهر- مصر
مقدمة
يُعد الحوار أحد وسائل الاتصال بين جميع الأفراد بالمجتمع وركيزة فكرية وثقافية يستطيع الفرد من خلالها أن يوصل ما يريده من أفكار إلى الآخرين بالحجة والبرهان، وله الأثر الكبير في نتيجة قدرة الأفراد على التفكير المشترك والتحليل والاستدلال، كما أنه يحرر الفرد من الانغلاق ويساعده على التواصل مع الآخرين لكي يحقق ذاته وذلك من خلال الالتزام بالمعايير الأخلاقية والاجتماعية والثقافية للسلوك والتي تفرضها طبيعة الموقف والأطراف المشاركة في الموضوع، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال ثقافة الحوار ومهاراته.
وتبرز أهمية الحوار في أنه يعد أفضل الوسائل في الإقناع وتغيير الاتجاه الذي يدفع إلى تعديل السلوك إلى الأحسن، فالحوار يؤدي إلى ترويض النفوس وتعويدها على تقبل النقد واحترام الرأي الآخر وتزداد الحاجة إلى الحوار في عصرنا هذا والذي تعددت فيه التيارات والاتجاهات السياسية والدينية إضافة إلى كثرة الخلاف والاختلاف بين الجماعات في العالم الإسلامي، والذي فتحت له وسائل الإعلام كل أبوابها بحثاً عن مادة لها، مما أدى إلى دخول ظواهر سيئة في أسلوب الحوار كرفع الصوت والاعتداء على الآخرين ومصادرة آرائهم وهذا ما يدعو إلى دراسة الحوار وآدابه وأنواعه، ولكي يكتمل نمو المتعلم فكرياً فإنه يتطلب من المربي أن يستخدم أسلوب الحوار معه من أجل أن يكتسب الثقة بنفسه ويتحول إلى عنصر مشارك في العملية التعليمية.
كما أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى الاهتمام بالحوار وثقافته ومهاراته ومن أهمها:
- الاتجاه نحو الديمقراطية في التعبير عن الرأي لدى المتعلم ما يجعله متعلماً نشطاً وفاعلاً وايجابياً.
- التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال الاتصالات أكد الاهتمام بثقافة الحوار.
- المتغيرات الخاصة بالنمو الجسمي والنفسي والاجتماعي للفرد تؤكد ضرورة الاهتمام بمشاعره وأحاسيسه والاستماع لرأيه وترك المجال لحرية التعبير عن الرأي والاهتمام برغباته وميوله واتجاهاته.
- العوامل الدينية: تعتبر العوامل الدينية والعقيدية مؤثرة في الثقافة بشكل عميق في شتى نواحي الحياة من حيث تكوين ثقافة ايجابية نحو الحوار من خلال مبدأ التساوي بين البشر ومبدأ الكلمة الطيبة، ومبدأ لا إكراه في الدين.
- العوامل الاجتماعية: تشتمل على ما تقوم عليه المجتمعات العربية من الترابط الاجتماعي والاحترام بين الأفراد.
- العوامل الشخصية: وتتمثل في رغبة الفرد في إبداء الرأي وحاجته إلى أن يكون مقبولاً من الآخرين أو أن يكون ضمن مجموعة يتآلف معها.
للحوار عدة أهداف تتمثل في الآتي :
- إظهار الحقائق المدعمة بالأدلة والبراهين:
يهدف الحوار الناجح إلى إظهار الحقائق دون إلزام الآخرين بتبنيها أو الأخذ بها قسراً، وإلغاء رأي الطرف الآخر، ويجب أن يؤدي الحوار إلى اللقاء والتعايش دون الصراع والفرقة.
- التفاهم والتعاون للخروج من مرحلة الأزمة:
من أبرز أهداف الحوار تحقيق الروابط والتعارف بين الشعوب، كما أقرت الشريعة الإسلامية قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
- الترقي بالذات: عندما يكون الحوار هادف مع الآخر فإن ذلك يسهم في إصلاح الذات وتخليصها من العدوانية والأنانية والاستبداد.
- حل النزاعات والخلافات: حل النزاعات بين الأفراد والمجتمعات والدول.
- تصحيح المفاهيم: يعد الحوار وسيلة ناجحة لتصحيح المفاهيم والأفكار المنحرفة التي سرعان ما تندثر في أروقة الحوار الهادف والبناء.
مما يؤكد أن الغاية من الحوار هي إقامة الحجة وترك الشبهة والفاسد من القول والرأي، فهو تعاون بين المتناظرين على معرفة الحقيقة والتوصل إليها، ونستنتج من هذه الأهداف أيضاً أن الحوار يقوم على أساس الحفاظ على الوطن ومكتسباته ووحدته وترسيخ قيم التواصل والتفاهم وتخطي واقع الانقسامات وحالات التباعد مما يتطلب من المحاور أن يتسم بالمرونة والإقرار بأن الاختلاف سنة كونية، وعدم الانسياق وراء الأهواء أو رفض الرأي المخالف أو التعصب ضده انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22].
معوقات ثقافة الحوار:
يُعد الحوار عملية إنسانية تسهم في التواصل بين الأفراد داخل المجتمع وقد تعترضه بعض المعوقات التي تحيده عن مساره، ومن تلك المعوقات:
- الثرثرة: تعني رغبة المحاور في الكلام ويستأثر بالحديث دون إعطاء الطرف الآخر فرصة للحوار بهدف إثبات وجوده، وإبراز شخصيته وفرضها على الآخرين فيتنقل من موضوعات إلى موضوعات أخرى سياسية واجتماعية، وقد لا يكون لها علاقة بموضوع الحوار بل قد يميل إلى تشتيت ذهن الطرف الآخر بالكشف عن أسرار شخصيته، فيتحول الحوار إلى ثرثرة ونقاش شخصي بعيد عن الموضوعية مما يضيع الوقت ويدعو إلى الملل.
- التعصب للرأي: المتعصب لرأيه يكون همه الأساسي الانتصار على المخالف له في الرأي حتى مع ظهور خطأه وصواب الطرف الآخر وهذا بدوره قد يحفز الطرف الآخر لنهج نفس السلوك وبالتالي يخرج الحوار عن أهدافه وقد يتوقف عن مساره.
- الجهل بموضوع الحوار: فدخول المحاور في مناقشة موضوع لا يفهمه أو يجهله ولا يلم به سيؤدي إلى فشل الحوار.
- الغضب: يكون الغضب عائقاً حين يكون ظهوره سريعاً ويؤدي ذلك في أحيان كثيرة إلى التسرع في إصدار حكم على الآخر بأنه مخطئ وعندئذ يتوقف الحوار.
- المراء: وهو الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير، والمحاور قد يحرص على إبطال كلام الطرف الآخر، ويسعى إلى الاعتراض على أي رأي لمجرد الاعتراض.
- الإطناب في الكلام: ويعني اهتمام المحاور بالصياغة اللفظية لفكرته والتكلف في استخدام المحسنات البديعية، واستخدام الصوت الجهوري للتغطية على ضعف الحجة، ومحدودية الفكر لديه، وكل ذلك من أجل خداع الطرف الآخر وتضليله، مما يضعف بذلك موضوع الحوار.
- عدم الإنصات: عدم الإنصات إلى المتحدث وكثرة مقاطعته والاعتراض عليه قبل إتمام كلامه وعرض حجته وأدلته تعد من أسرع الطرق لقطع قنوات الاتصال وشحن النفوس.
من سبل التعزيز ما يلى :
- الاهتمام بثقافة الحوار كمفهوم تربوي أسرى.
- تنظيم للمؤسسات التي تهتم بثقافة الحوار وتمارسه.
- الاستماع الإيجابي للأفراد ومحاورتهم في قضاياهم.
- توظيف الأحداث والمستجدات الثقافية للقيام بحوارات بمشاركة