كشف الستارة في الفارق بين القيادة والإدارة
|كشف الستارة في الفارق بين القيادة والإدارة
للباحث والمدرب الأستاذ علاء حسون
في البداية أود أن أنوّه إلى أنّ هذه المقالة الموجزة حصيلة لمجموعة كبيرة من الحوارات مع الكثير من الباحثين والزملاء والطلاب وحزمة واسعة من القراءات وكمّ مقبول من الخبرة على مدار عشر سنوات.ه
مع تطور المجتمعات وتعقّد الحياة خاصةً في المجال الاقتصادي، أصبحت الحاجة ملحة لنظام وأسس تدير هذه الحياة بكافة تفرعاتها بهدف تحقيق المصلحة سواء أكانت المصلحة للبقاء على قيد الحياة أو لتطوير أسلوب العيش أو لجمع المال وحب السيطرة. ويمكن اعتبار تاريخ بداية الثورة الصناعية في دول أوروبا الغربية بدايةً لمفهوم جديد من التنظيم والتنسيق للعمليات التنفيذية في المؤسسات والمصانع هو مصطلح الإدارة بمعناه العلمي وبهدفه الجماعي. من جهة أخرى، فإنّ مفهوم القيادة معلومٌ للجميع منذ آلاف السنين خاصة في السلك العسكري، حيث تحدث القدماء من القادة التاريخيين عن صفات القائد وخصائصه بأن يكون مؤثراً فيمن حوله، معلّماً لهم ومضحّياً أمامهم. ولكن ما هو التعريف الدقيق للإدارة وما هي مجالاتها؟ كيف نوصّف القيادة وأين نستخدمها؟ وهل هناك فارق بينهما، أم أن أحدهما جزءٌ من كلّ؟ ستناقش هذه المقالة اللبس الحاصل في التفريق بين الإدارة والقيادة مع تقديم شرح واضح للمفهومين بطريقة علمية ومدعّمة بالدلائل والأمثلة.ه
يعتبر فريدريك تايلور وهنري فايول أول من كتب في الإدارة كعلم قائم بحد ذاته. تايلور اعتبرها أنها المعرفة الصحيحة لما يراد من الأفراد أن يقوموا به، ثم التأكد بأنهم يفعلون ذلك بأحسن طريقة وبأقل التكاليف. أما فايول، فقد شدّد على أن الإدارة هي أن تخطط وتنظم وتصدر الأوامر وتنسّق وتراقب مواردك المادية والبشرية. ويمكن اعتبار تعريف الباحث جلوفر للإدارة هو الأكثر شموليةً حيث أكّد على أنها تلك القوة المفكّرة التي تحلّل وتصف وتخطط وتحفز وتقيّم وتراقب الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية من أجل تحقيق أهداف محددة. اذن، يمكن تلخيص هذه التعاريف بأنّ الإدارة عملية منسّقة لتحقيق أهداف متفق عليها سابقاً من خلال استخدام مثالي للعاملين وللمواد ضمن بيئة معيّنة ووفق نظام محدد. ومن خلال وظائف الإدارة، تحقق المنظمة متطلباتها وتنظم أعمالها من تسيير لأمور العمال إلى ادارة المشتريات والانتاج والتسويق وتطوير نظم المعلومات وتفعيل العلاقات العامة وزيادة رأس المال مع إحكام الرقابة عليها لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.ه
في المقابل، اتفق معظم القادة التاريخيون أمثال نابليون بونابرت، بسمارك، أيزنهاور وغيرهم مع من كتب في القيادة وصفاتها من العلماء والباحثين أهمهم وارن بينيس، دانييل غولمان، بول ريد وآخرين، اتفقوا على أنّ القيادة هي قدرة التأثير على الأفراد بتوجيه سلوكهم نحو هدف محدد وانجازه. واعتبر كيث غرينت أن القيادة ببساطة هي أن يكون لديك أتباع، وأنها قد تأتي من الموقع الوظيفي أو من السمات الشخصية للفرد أو من النتائج التي تحققت أو من الأسلوب والطرق المعتمدة في أداء العمل. وقد تعاظم الاهتمام بمفهوم القيادة في السنوات العشرين الأخيرة، فمن المتوقع أن يكون موقع أمازون.كوم قد تخطى عتبة الـ: 100,000 في عدد الكتب التي تتحدث عن القيادة. معظم الكتب شددت على أهم الصفات التي يتمتع بها صاحب الشخصية القيادية منها قوة الخطاب،العلم والخبرة، الهمة العالية، التضحية، الجدية، القدرة على الاتصال الفعال، القدرة على حل المشاكل والحنكة. وبالتالي، يمكن اعتبار القيادة على أنها مجموعة من الخصائص و الصفات الفطرية والمكتسبة، يمتلكها الفرد ويستخدمها لحث الآخرين وإقناعهم
على انجاز الأعمال بحسب تخطيط مسبق أو استجابة لحالة طارئة. وتجد تطبيقات القيادة منتشرة في كل المجالات، في التربية والتعليم، في السلك العسكري، في عالم المال الأعمال، في الرياضة والفن وفي كل جوانب الحياة حتى في المنزل بين الأب وأبنائه وفي دهاليز السياسة بين الحكام والأتباع.ه
من وجهة نظري، وعلى سبيل الجزم، لا يوجد فارق بين المدير والقائد، لأن القائد في الأصل وبحسب التفاسير السابقة صفة للمدير الناجح وليس نوعاً. لذلك لا نقول مدير فاشل وقائد ناجح، بل نقول مدير لا يملك صفات قيادية ومدير قائد. للتوضيح أكثر، الإدارة موجودة منذ القدم، نراها في البيوت، بين القبائل، نجد تطبيقاتها في الحقبة الفرعونية وأيام حمورابي وفي ديننا الحنيف. إلا أنّ فعالية وظائفها من أول الزمان وحتى يومنا هذا، من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة تعتمد على الأسلوب المتبع في تنفيذ هذه الوظائف. هذا الأسلوب يُعبّر عنه بالمهارات القيادية. لذلك لجأ العديد من علماء الإدارة في كتبهم إلى اعتبار القيادة جزءاً أساسياً من وظيفة التوجيه في مفهوم الإدارة. بتفصيل آخر، الإدارة هي تخطيط لأهداف يضعها وينظم مواردها ويراقب مؤشراتها ويتحكم بنتائجها أفراد. أما القيادة فهي القيام بكل ما سبق بأفضل طريقة ممكنة من التعامل الإنساني بين المدراء والمرؤوسين وذلك للتأثير بهم وقيادتهم لتحقيق أفضل النتائج من خلال التواصل الفعال والتشجيع على الإنجاز والخبرة والإيثار وبالتأكيد امتلاك القدرات الإدارية. إذن، القيادة هي جزء من مبدأ التوجيه، أحد مبادئ الإدارة العلمية وبالتالي لا تصح المقارنة، ولا مكان للحديث عن ايجابيات وسلبيات. وبما أن الأمثلة تساعد على تحقيق الفهم، هنا يمكن أن نسأل سائحاً في أحد الفنادق، ما الفارق بين الفندق الذي يسكن فيه وغرفته التي ينام فيها!؟ أو أن نسأل مريضاً في المستشفى عن الفارق بين غرفته والسرير المتواجد فيها!؟. الإدارة مفهوم أشمل ويحوي القيادة وأمور أخرى، كما أنّه بدون المهارات القيادة، من الصعب على المؤسسات أن تقوم بوظائف الإدارة بالشكل المطلوب أي أن تحقق معدلات عالية من الجودة في العمل وصرف الأموال وتوفير الوقت.ه
في الختام، يخلط الكثير من الناس بين مفهومي الإدارة والقيادة. الحقيقة أنّ القيادة تفريع عن الإدارة، تدخل في جزئية توجيه العاملين نحو تحقيق الأهداف. الإدارة القيادية تركز على المخرجات ونتائج الأداء مع التشديد بشكل كبير على العنصر البشري من ناحية الاهتمام به وتنمية قدراته وتحفيزه في سبيل تحقيق أهداف المنظمة العامة وأهدافه الشخصية في آنٍ واحد. المدير بحسب موقعه يجب أن يتمتع بصفة القيادة حتى يَحسُن أداؤه ويتبعه الأفراد بقلوبهم قبل عقولهم. ولكن، هل الصفات القيادية موجودة في الفرد بالفطرة؟ أم أنه يمكن اكتسابها من خلال التدريب وتراكم الخبرات؟ الأمر يحتاج لأبحاث معمقة وعلى ما يبدو فهو أمر جدليّ للغاية.ه