الطلاق انفصال، وليس انتقام
|كتبت الدكتورة رابعة يكن
هو أبغض الحلال، لكنه أحياناً يكون رصاصة الرحمة لزوجين افتقدا عصب الالتحام بينهما، فباتوا ضمن إطار لا يريحهم. الطلاق ليس مقبولاً إجتماعيًا، خاصة حين ترافقه مشكلات، كتسبّبه بضرر للأبناء وتشويه الصورة الاجتماعية من طرف الزوجين لبعضهما البعض.
الزواج .. حبّ واحترام.
يعرّف علماء الاجتماع مفهوم الزواج، بأنه إجراء أنشأه المجتمع لتكوين الأسرة، وأنه علاقة بين شخصين تكون مقبولة من الناحية الاجتماعية . وعرّفه فريق آخر، بأنه النمط الاجتماعي الذي على أساسه يتمّ الاتفاق بين شخصين على تكوين الأسرة . فهو عبارة عن علاقات متعددة الوجوه وعلاقة مركّبة تتضمن النواحي البيولوجية والدينية والاقتصادية والقانونية والأنثروبولوجية والنفسية والاجتماعية. وحين يتأسّس الزواج على قيم الحبّ والاحترام، هذا يعني علاقة مستقرّة قادرة على إنتاج أسرة متماسكة. أما إذا تراجعت إحدى هذه القيم تتأرجح العلاقة صعوداً وهبوطاً. وإذا اختفت تفتّت الروابط بين الزوجين فيكون الطلاق هو الحلّ. لكن إذا وقع الطلاق كيف يمكن الارتقاء في فضّ الشراكة الزوجية، خاصة عندما يكون الزواج قد أثمر أولاداً؟
الطلاق حلال وليس حرام
إنه الخيار الأخير الذي شرّعه الله سبحانه وتعالى، وقد وردَ في القرآن الكريم بأنّ على الزوج أن يمسك زوجته ولو كرهاً: (فإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) أي ألا يبغض الرجل زوجته حتى يفارقها بل عليه أن يتغاضى عن سيئاتها وينظر إلى حسناتها، وفي هذا دليل على كراهة الطلاق مع إباحته . لكن على الطرفين مراعاة الجوانب الشرعية المترتبة عليه، فلا يقدمان إلا بعد استنفاد وسائل الإصلاح . والطلاق يأتي تحت ثلاثة محاور : طلاق انفرادي يكون بيد الرجل ويترتب عليه النفقة، وطلاق مبنيّ على اتفاق بين الطرفين، أما الخلع فهو التفريق الشرعي تطلبه المرأة فتتنازل عن حقوقها المالية وهذا ما يسمى الخلع، أي طلاق على مال من الزوجة لجهة الزوج .
هل من طلاق ناجح ؟
تقول إحدى الباحثات الاجتماعيات : فكما أن هناك زواجاً ناجحاً، هناك طلاق ناجح، فالنجاح في أية علاقة يقاس بمدى الرقي الإنساني في المعاملة ومدى تأثير العلاقة الإيجابية في حياة كل طرف منهم، فأحياناً لا تحقق بعض الزيجات هذا المفهوم، بالتالي يمكن أن يكون الطلاق حلاً. إنه دعوة للإبقاء على نمط العلاقة طبيعياً في إطار الاحترام بين الزوجين المنفصلين، على اعتبار أن الفشل في شكل ما من أشكال العلاقة لا يعني الفشل في باقي العلاقات، خاصة أن هناك مساحات تأثير مشتركة. فبعدما نجح العديد ممن أصابهم الطلاق في تجاوز الأزمة، كان ذلك حافزاً على الاستمرار بشكل طبيعي، إذ رأوا أن انفصال زوجين غير متفقين، أفضل من العيش في معمعة المشاكل. فالطلاق يكون صائباً عند التأكد من أنهما سيجنيان الهدوء، مع وضع خطّة لضمان رعاية الأبناء دون منغّصات، حينها سيكون الطلاق ناجحاً .
الانفصال بالمعروف .. وحفاظ على ثقة الأبناء
أكّد علماء الدين أن امتناع الزوج عن تطليق زوجته عند استحالة العشرة، تحت دعوى الحفاظ على المظهر الاجتماعى، مخالف لنصوص الشريعة الإسلامية، فعلى هؤلاء أن يصحّحوا الخطأ ، وأن يتداركوا ما فات من عمرهم دون أن يعيشوا حياة طبيعية بين الأزواج نهى عنه. فقد أرشد الله سبحانه وتعالى الزوجين إلى الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، مع أهمية أداء الحقوق فيما بينهم فلا يتظالموا، وليتقوا الله في أولادهم .
فكثر ممن مرّوا بتجربة الطلاق نجحوا في الحفاظ على ثقة أبنائهم، ودفعوهم للأمام كي لا يتعثّروا. فليس الفخر جلب أبناء وتركهم مُهمَلين للعيش بعيداً عن أي إهتمام .
ومن الضروري وجود بنود واضحة، والخضوع لثلاث خطوات قبل الطلاق : الهدوء النفسي قبل اتخاذ القرار، التعمق في المسألة والإحاطة بها شرعاً وقانوناً، أخيراً التفاهم حول كل ما يعنى الأولاد الذين هم رأس مال مؤسّسة الزواج، وهذا يساعد الزوجين على التفكير قبل اللجوء إلى المحاكم.
الأم المحضن لأبنائها بعد الطلاق
لقد أجمعَ أهل العلم والفقه على حق الأم بحضانة أولادها، إذا وتوفرت فيها شروط الحضانة، واستدلوا على الحكم بما نقل عن رسول الله عليه وسلم أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلَّقني وأراد أن ينزعه مني. فقال : أنت أحق به ما لم تنكحي . فعلى الرغم من اتفاق الفقهاء على أسبقية الأم في حضانة الأولاد، غير أنهم اختلفوا في السنّ المحدد لنهاية الحضانة، والراجح أنها موقوفة على التمييز والاختيار، فإن بلغ الطفل رشده فالخيار له . .
من هنا، ليس من عذر للأم في طلب الطلاق من زوجها، وأبناؤها ما زالوا أطفالاً، بل من الأفضل البقاء في منزل الزوجية، إذ قد يسهم ذلك في التخفيف من الخلافات وتراجعها. فإن وقع الطلاق، فعلى الأمهات احتضان الأطفال، والابتعاد عن دعوات الأخريات بالزواج، وأن المرأة من حقها الإرتباط من جديد، إذ أن ارتباطها برجل آخر بهدف الإنتقام أو لإيجاد متنفّس ما قد يؤلمهم، فيكفيهم جرح الطلاق الذي يمكن لملمته بأسلوب ذكيّ .
الصفح والعفو، للعيش بسلام
يرى علماء النفس أن أكثر قضايا الطلاق الموجودة في ساحات المحاكم، لا تنمّ عن طلاق دافء يضمن مصلحة الأولاد، لكنه ينطوي على حقد وانتقام خاصة حين لا يتمكن كل منهم البدء بمرحلة جديدة .
فحين يتقرّر الطلاق لا بد من المحافظة على الودّ. فالطلاق لا يعني الكره ! إنه هو انفصال ! بغض النظر عن رأي كل طرف تجاه الآخر، فالحكمة واجبة مع ابتكار واقع مناسب .
في الختام، عند ما نقرّر أننا نريد “طلاقاً ناجحاً ” لا بد أن نكون مستعدين للتنازل، مقابل العيش… بسَكينة.