Month: December 2020
أوراق في التعليم العالي / الإفتراضية والواقعية
لا شك أن للتعليم العالي الجامعي شؤوناً وشجوناً كثيرة، وهي تمتد مع امتداد الأجيال وتوارثها للمهمة التي قد تكون الأهم في مسار إنتاج المجتمعات..
سنتوقف في هذه السطور عند الإتصال والتواصل في عملية التعليم عن بعد، فقد بات من المعروف أن مجمل الجسم التعليمي قد تجاوز المرحلة الإنتقالية من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد، وأن كل مؤسسة أوجدت لنفسها جانبين أساسين : الأول إعتماد التطبيقات المناسبة للتعليم والتواصل مع الطلاب، والثاني تعديل الأنظمة الإدارية بما يتناسب مع متطلبات الجانب الأول.
فيما خص إعتماد التطبيقات المناسبة سواءً zoom أو Google meet أو WebEx أو Microsoft team، أو غيرها من التطبيقات التي باتت جزءاً أساسياً ويومياً من التعليم وهي وإن إختلفت في بعض خدماتها وتقديماتها ومستوى سريتها فهي تشترك في مهمة أساسية وهي نقل حالة التواصل من الإفتراضية إلى تأمين أكبر نسبة ممكنة من الواقعية في التواصل، فالحال أننا لم نعد نعيش في تلك الحالة الإفتراضية فالأشخاص موجودين فعلياً خلف الأجهزة الإلكترونية وهم أشخاص حقيقيون والتواصل القائم هو تواصل حقيقي بالصوت والفيديو، و حالة التواصل هذه و إن تدنت عند البعض من الأِساتذة الذين لا يقومون بتشغيل الكاميرات أثناء المحاضرة ( دون أي مبرر تقني ) أو عند الطلاب الذين يغادرون المكان ظناً منهم أن المحاضر لا يدرك ذلك.. إلا أن مجموعة كبيرة من المحاضرين ومن الطلاب هم من المواظبين على المستوى التقني والتشاركي بما يسمح بتأمين أعلى نسبة من العملية التعليمية وتعويض النقص الحاصل في الإتصال المباشر بنسبة بديلة من الإتصال التقني وآثاره المباشرة، حيث تقل الإفتراضية إلى أدنى مستوياتها لتصبح الغرفة ذات أبعاد تقنية بدل الغرف الخرسانية، فيعيش أحدنا ضمن هذه الأبعاد التي فرضت نفسها علينا أصلاً في تواصلنا اليومي عبر التطبيقات المختلفة ..
والحال أن الإتصال خسر من ناحية، لكنه عاد وكسب من جوانب عديدة أخرى ليس أقلها تأمين التواصل العابر للجغرافيا عبر الاتصال العابر للمدن والبلدان والقارات، وهو أيضاً عابر للزمن ليس فقط من خلال الفورية والآنية، بل من خلال تمكين كل الأطراف من إعادة الإستماع والمشاهدة اللاحقة ولمرات متعددة وبحسب الظروف الشخصية المتاحة، وهذا كله يسير بإتجاه تحميل الأطراف جميعها سواءً الإدارية منها أو التعليمية أو الطالبية نفسها مسؤولية دفع العملية بإتجاه النجاح..
هنا يطرح أكثر من سؤال حول نجاح كل طرف من أطراف العملية التعليمية في أداء دوره بما يسمح لمجمل العملية التعليمية من السير بالإتجاه المطلوب .. والإشكالية الكبيرة في هذا المضمار أن إكتشاف الثغرات في هذه التركيبة قد يأتي متأخراً بحيث لا يتسع الوقت لإعادة التقويم .. ولعل من الضروري بمكان ما، خاصة في العملية التعليمية الجامعية، أن يقف كل طرف من الأطراف ليتساءل ويقيم أداءه تمهيداً لتعديل المسار والإستفادة من المرونة التي فرضتها الاحوال المستجدة .. خاصةً وأنّ الجميع ودون استثناء يؤكد أن لا عودة إلى الوراء حتى لو عادت العملية التعليمية إلى سابق عهدها أو ما يشبه ذلك .. وإن كان أحداً لا يتوقع ذلك ..على الأقل في المدى المنظور ..
وللحديث بقية ..
د.زكريا بيتية
التكنولوجيا أم البيداغوجيا؟
التكنولوجيا أم البيداغوجيا؟
مقالة علمية من إعداد الدكتورة سحر باشا على منصة الأبحاث والمقالات العلمية:
المهارات الحياتية”، المادة الاولوية في صفوف التعليم العربية؟”
بقلم : رامي زودة
دراسات عليا في العلوم الاجتماعية ومدرب إداري .
لفتني، وفي مراجعة لبعض المناهج التعليمية في اميركا، مادة المهارات الحياتية مكرّسة كحصة اسبوعية لطلاب في الرابعة عشرة من عمرهم! وراء بعضهم يصطفون، يعلمهم الاستاذ كيفية تغيير اطار سيارة، او استخدام بطاقة الفيزا كارد، او نشاطات صفية معينة ككيفية تقديم الذات للاخر او للجهات الرسمية. ففي حين تخوض القارة الاميركية ومن ابرزها كندا في تدشين النظم الواسعة للتعليم الحضاري الذي يواكب العصر مع تجليات افاته ومشاكله التي لا تنتهي، لا نزال كأمم عربية نقبع في مناهج التعليم الكلاسيكية في جمود بارد مع معايير تقليدية تكاد لا تتغير، فنطرح الاشكالية التالية، الا ما تفتقر مناهجنا التعليمية؟
انها بكل بساطة تفتقر الى ثقافة الابداع والتغيير، فما بين أستاذ ملقّن وطالب متلقي (حتى في الجامعات)، تصبح دينامية التغيير غير بارزة ومتجددة. عالمنا اليوم بحاجة الى منهج جديد يؤمّن الأطر اللازمة لاكتشاف الذات وليس اكتشاف المادة فقط. وأهمية اكتشاف الذات هنا، هي لاكتشاف الحلول الممهدة للتعايش مع هذا التغيير المستمر للحياة، اي لاستمرار الانسان.
ان عالمنا اليوم، بحاجة الى الرجوع الى الذات، الى تلك العوامل المشتركة بين بني الانسان من غريزة وفطرة وعقل وحواس. هل تُدرّس اليوم حقائق الميكانيزمات الاساسية لعمل العقل، أو دور اللاوعي في الاتصال والتواصل؟ قد لا نجدها في معظم المناهج الاساسية والثانوية المدرسية والجامعية.
ان عناوين حصص المهارات الحياتية، كالتواصل الايجابي، التخطيط والاهداف، المشاعر ودور العقل وغيرها من العناوين، هي في المحطة الاولى لتعزيز دور
العنصر البشري في ذاته وفي محيطه، وطرح السؤال: لما أنا موجود؟ ما دوري في هذه الحياة، وماذا أقدّم للناس؟
وكما التركيز على الأنا، فالتركيز على الاخر فيه وجوب، فكيف أمهّد لعلاقات اجتماعية بناّءة في محيطي، وكيف أرسم انطباعا ايجابيا في عين الاخر، وما هي المعايير المفيدة وغير المفيدة التي يجب أن أحددها لتقييم ما يجري حولي. ان التواصل الانساني والاجتماعي، يبرز ومنذ زمن من صلب الافات الاجتماعية التي نعيشها في محيطنا العربي (كما غيرنا من المجتمعات النامية)، وهي لغياب الارضية التربوية المرشدة لبناء الانسان لانسانيته وبناء انسان للمجتمع. فهل ما يجري من حولنا اليوم من عواصف تغييرية عالمية، فرصة متاحة لادخال مادة المهارات الحياتية الى نظمنا التربوية، أم أن ما يجري الان هو انحدار أوسع للفرادة الانسانية وتحويلها أكثر الى مادة للاستهلاك؟