Month: December 2020

Helpdose: المشروع الأسرع من لقاح الكورونا

فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد التّباعد الجسدي بين النّاس، فأصبح تنفيذ كل شيء عن بعد الطّريقة السّائدة في العالم: للعمل، والإجتماعات، والتّعليم، وتقديم الخدمات. الواضح وفق تقديرات معظم التوقعات أن العمل عن بعد سيبقى جزءًا من النّظام السّائد حتى ما بعد انتهاء هذه الجائحة؛ الأمر الذي استدعى أن تطلق منصّة التّواصل الإجتماعي “تويتر” مذكّرة عمل تقضي بأن يعمد الموظّفون فيها إلى العمل عن بعد طوال الحياة دون الحاجة إلى العودة إلى مكاتبهم لاحقاً. هذا كله أدّى ازدياد الإهتمام بتطوير التكنولوجيا بشكل سريع، لما لها من آثار لا تحصر على المجتمع من حولنا، ولا يمكن تجاهلها مطلقاً. بل على العكس من ذلك، ما يجب علينا فعلاً هو إدراكها واستغلالها بما يخدم مصالحنا، والنّظر إلى تحدّياتها كفرص مواتية للتطوير وتحسين أساليبنا الحالية. بمعنى آخر، إن الوعي لما يدور حولنا من تطوّر تكنولوجي يعتبر من أكثر السبل فعالية لإعداد أنفسنا للمستقبل التكنولوجي المحتوم الذي يفرض السّؤال عن مدى استعدادنا لما هو آتٍ.

في جو تزدحم فيه المعلومات المغلوطة على محركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعي، ويصعب فيه الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة من إختصاصيين أصحاب الخبرة والكفاءة. وفي حين أن خبراء مجالات الصحّة البدنيّة، النفسيّة، الرياضيّة، الروحانيّة، والتنمية البشرية وغيرها يفتقدون المنصّة التي تبرز كفاءاتهم وتساعدهم في الوصول للجمهور الذي يبحث عن خدماتهم؛ من هنا انطلق مشروع Helpdose الذي يهدف تحديدا لتسهيل هذا التواصل بين النّاس من جهة، والخبراء في من جهة أخرى، ويسمح للجميع بأن يكونوا في طليعة أوّل شبكة عالميّة متخصصة تزوّد المستخدمين بالقيمة المنشودة وتمنح الخبراء كافّة الأدوات التي تنظّم عملهم من خلف الشّاشة. بالتوازي، يواكب الخبراء فريق متخصّص لضمان تسهيل سير العمل بأفضل طريقة ممكنة مقابل عضويّة سنويّة مدروسة يدفعها الإختصاصي.

تمنح Helpdose المستخدمين فرصة تحسين صحتهم، وتطوير مهاراتهم، عبر خاصية الإستشارة المجانية التي تمكنهم من تعزيز التعارف مع الإختصاصيين لاكتشاف احتياجاتهم الخاصة. كما تتيح الفرصة للإختصاصيين بإدارة وقتهم و التحكم به و بالتالي تمكينهم من ضمان وقت أطول مع عائلاتهم وتحقيق دخل إضافي يساهم بشكل إيجابي في إنعاش ملموس لإقتصاد الدول التي ينتمي إليها الإختصاصيون.

والجدير بالذكر أن فكرة المشروع تعود إلى سنة ٢٠١٢ حيث عانى المؤسّس علي بيضون من إضطرابات نفسيّة حادّة واحتاج للمساعدة الفعليّة لكنّه لم يستطع الوصول للمعلومات الدقيقة أو الإختصاصيين بسهولة في ذلك الوقت. حينها أدرك المؤسّس أهمية الإنطلاق بفكرة Helpdose، التي عزم على إطلاقها في مطلع عام 2021، ولكن تفشّي وباء فيروس كورونا، حفّزه على البدء الفوري واعتباره الوقت الأنسب لإحداث التغيير الذي يطمح إليه. فقام بتأسيس فريق من الشباب اللبناني الذي يحمل نفس الرؤية والتوجه، حيث رأى المشروع النّور بشكل رسمي في 11 تموز 2020 بعد 60 يوماً من الحشد المستمر للطّاقات على الرّغم من الإحاطة من أسوأ انهيار اقتصادي، مالي، صحّي، وسياسي شهده لبنان. وكانت النتيجة استقطاب 40 خبيراً من مختلف المجالات وجمع مبلغ مالي يضمن إنطلاق وسير المشروع.

واليوم، تتظافر الجهود بين أعضاء فريق المشروع الذين تجاوز عددهم ال 40 شابّاً طموحاً، ينسّقون بمهارة ضمن أكثر من 10 أقسام متخصّصة: كتصميم الموقع، والتدقيق اللغوي، وإنشاء المحتوى اللغوي والصوري، وغيرها من الوظائف الخلّاقة على مستوى الموقع الإلكتروني وصفحات التّواصل الإجتماعي. ويشهد المشروع توسعاً مدروساً عبر التّعاون مع إختصاصيين من دول عربيّة مجاورة كالمملكة العربيّة السعوديّة، والإمارات العربيّة المتحدة، ومصر، والأردن، والكويت، وعمان؛ ناهيك عن توسع طال الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأستراليا.

رسالة المشروع إلى كل الشباب اللبناني، وشباب العرب، والعالم: “بدأنا Helpdose من الصفر؛ بظل كل الأوضاع الإقتصادية والظّروف والتّحديات التي يمر بها لبنان. وأؤكّد بأنكم تستطيعون الوصول بالإصرار والخطة المناسبة. وهذا ما أثبته فريق العمل.”

Rokaia Mrueh

أوراق في التعليم العالي / الإفتراضية والواقعية

لا شك أن للتعليم العالي الجامعي شؤوناً وشجوناً كثيرة، وهي تمتد مع امتداد الأجيال وتوارثها للمهمة التي قد تكون الأهم في مسار إنتاج المجتمعات..

سنتوقف في هذه السطور عند الإتصال والتواصل في عملية التعليم عن بعد، فقد بات من المعروف أن مجمل الجسم التعليمي قد تجاوز المرحلة الإنتقالية من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد، وأن كل مؤسسة أوجدت لنفسها جانبين أساسين : الأول إعتماد التطبيقات المناسبة للتعليم والتواصل مع الطلاب، والثاني تعديل الأنظمة الإدارية بما يتناسب مع متطلبات الجانب الأول.

 

فيما خص إعتماد التطبيقات المناسبة سواءً zoom أو  Google meet  أو  WebEx  أو Microsoft team، أو غيرها من التطبيقات التي باتت جزءاً أساسياً ويومياً من التعليم وهي وإن إختلفت في بعض خدماتها وتقديماتها ومستوى سريتها فهي تشترك في مهمة أساسية وهي نقل حالة التواصل من الإفتراضية إلى تأمين أكبر نسبة ممكنة من الواقعية في التواصل، فالحال أننا لم نعد نعيش في تلك الحالة الإفتراضية فالأشخاص موجودين فعلياً خلف الأجهزة الإلكترونية وهم أشخاص حقيقيون والتواصل القائم هو تواصل حقيقي بالصوت والفيديو، و حالة التواصل هذه و إن تدنت عند البعض من الأِساتذة الذين لا يقومون بتشغيل الكاميرات أثناء المحاضرة ( دون أي مبرر تقني ) أو عند الطلاب الذين يغادرون المكان ظناً منهم أن المحاضر لا يدرك ذلك.. إلا أن مجموعة كبيرة من المحاضرين ومن الطلاب هم من المواظبين على المستوى التقني والتشاركي بما يسمح بتأمين أعلى نسبة من العملية التعليمية وتعويض النقص الحاصل في الإتصال المباشر بنسبة بديلة من الإتصال التقني وآثاره المباشرة، حيث تقل الإفتراضية إلى أدنى مستوياتها لتصبح الغرفة ذات أبعاد تقنية بدل الغرف الخرسانية، فيعيش أحدنا ضمن هذه الأبعاد التي فرضت نفسها علينا أصلاً في تواصلنا اليومي عبر التطبيقات المختلفة ..

والحال أن الإتصال خسر من ناحية، لكنه عاد وكسب من جوانب عديدة أخرى ليس أقلها تأمين التواصل العابر للجغرافيا عبر الاتصال العابر للمدن والبلدان والقارات، وهو  أيضاً عابر للزمن ليس فقط من خلال الفورية والآنية، بل من خلال تمكين كل الأطراف من إعادة الإستماع والمشاهدة اللاحقة ولمرات متعددة وبحسب الظروف الشخصية المتاحة، وهذا كله يسير بإتجاه تحميل الأطراف جميعها سواءً الإدارية منها أو التعليمية أو الطالبية نفسها مسؤولية دفع العملية بإتجاه النجاح..

هنا يطرح أكثر من سؤال حول نجاح كل طرف من أطراف العملية التعليمية في أداء دوره بما يسمح لمجمل العملية التعليمية من السير بالإتجاه المطلوب .. والإشكالية الكبيرة في هذا المضمار أن إكتشاف الثغرات في هذه التركيبة قد يأتي متأخراً بحيث لا يتسع الوقت لإعادة التقويم .. ولعل من الضروري بمكان ما، خاصة في العملية التعليمية الجامعية، أن يقف كل طرف من الأطراف ليتساءل ويقيم أداءه تمهيداً لتعديل المسار والإستفادة من المرونة التي فرضتها الاحوال المستجدة .. خاصةً وأنّ الجميع ودون استثناء يؤكد أن لا عودة إلى الوراء حتى لو عادت العملية التعليمية إلى سابق عهدها أو ما يشبه ذلك .. وإن كان أحداً لا يتوقع ذلك ..على الأقل في المدى المنظور ..

وللحديث بقية ..

د.زكريا بيتية

المهارات الحياتية”، المادة الاولوية في صفوف التعليم العربية؟”

بقلم : رامي زودة 

دراسات عليا في العلوم الاجتماعية ومدرب إداري .

لفتني، وفي مراجعة لبعض المناهج التعليمية في اميركا، مادة المهارات الحياتية  مكرّسة كحصة اسبوعية لطلاب في الرابعة عشرة من عمرهم! وراء بعضهم يصطفون، يعلمهم الاستاذ كيفية تغيير اطار سيارة، او استخدام بطاقة الفيزا كارد، او نشاطات صفية  معينة ككيفية تقديم الذات للاخر او للجهات الرسمية. ففي حين تخوض القارة الاميركية ومن ابرزها كندا في تدشين النظم الواسعة للتعليم الحضاري الذي يواكب العصر مع تجليات افاته ومشاكله التي لا تنتهي، لا نزال كأمم عربية نقبع في مناهج التعليم الكلاسيكية في جمود بارد مع معايير تقليدية تكاد لا تتغير، فنطرح الاشكالية التالية، الا ما تفتقر مناهجنا التعليمية؟

انها بكل بساطة تفتقر الى ثقافة الابداع والتغيير، فما بين أستاذ ملقّن وطالب متلقي (حتى في الجامعات)، تصبح دينامية التغيير غير بارزة ومتجددة. عالمنا اليوم بحاجة الى منهج جديد يؤمّن الأطر اللازمة لاكتشاف الذات وليس اكتشاف المادة فقط. وأهمية اكتشاف الذات هنا، هي لاكتشاف الحلول الممهدة للتعايش مع هذا التغيير المستمر للحياة، اي لاستمرار الانسان.

ان عالمنا اليوم، بحاجة الى الرجوع الى الذات، الى تلك العوامل المشتركة بين بني الانسان من غريزة وفطرة وعقل وحواس. هل تُدرّس اليوم حقائق الميكانيزمات الاساسية لعمل العقل، أو دور اللاوعي في الاتصال والتواصل؟ قد لا نجدها في معظم المناهج الاساسية والثانوية المدرسية والجامعية.

 

ان عناوين حصص المهارات الحياتية، كالتواصل الايجابي، التخطيط والاهداف، المشاعر ودور العقل وغيرها من العناوين، هي في المحطة الاولى لتعزيز دور

العنصر البشري في ذاته وفي محيطه، وطرح السؤال: لما أنا موجود؟ ما دوري في هذه الحياة، وماذا أقدّم للناس؟

وكما التركيز على الأنا، فالتركيز على الاخر فيه وجوب، فكيف أمهّد لعلاقات اجتماعية بناّءة في محيطي، وكيف أرسم انطباعا ايجابيا في عين الاخر، وما هي المعايير المفيدة وغير المفيدة التي يجب أن أحددها لتقييم ما يجري حولي. ان التواصل الانساني والاجتماعي، يبرز ومنذ زمن من صلب الافات الاجتماعية التي نعيشها في محيطنا العربي (كما غيرنا من المجتمعات النامية)، وهي لغياب الارضية التربوية المرشدة لبناء الانسان لانسانيته وبناء انسان للمجتمع. فهل ما يجري من حولنا اليوم من عواصف تغييرية عالمية، فرصة متاحة لادخال مادة المهارات الحياتية الى نظمنا التربوية، أم أن ما يجري الان هو انحدار أوسع للفرادة الانسانية وتحويلها أكثر الى مادة للاستهلاك؟