الشباب بين التهميش والتمكين
|بقلم الدكتورة رولا حطيط
يقول الشاعر: وكم من شبابٍ ضاعَ في غيرِ طائلٍ… فشابَ أخوه وهو في الناسِ جاهلُ
لا يكوّن الشباب مجموعة متجانسة، إذ تتباين أوضاعهم داخل البلدان وفي ما بينها، لكنّهم يشتركون في معاناتهم من واقع التنمية الإنسانيّة، وإن بدرجات مختلفة؛ فهم يشعرون بقلق عميق حيال مستقبلهم، ويسيطر عليهم إحساس دفين بالتمييز والإقصاء، ولا يحصّل جزء كبير منهم تعليمًا جيّدًا أو عملًا مقبولًا أو رعاية صحيّة مناسبة، ولا يمتلكون تمثيلًا كافيًا في الحياة العامّة ولا صلاحيّة لهم في تكوين السياسات التي تؤثّر في حياتهم.
ويمكن وصف «الشباب» عمومًا بأنّه المرحلة العمريّة التي يتحوّل خلالها شخص من حال الاعتماد (الطفولة) إلى حال الاستقلاليّة (البلوغ)، ولقد عرّفت الأمم المتحدة هذه المرحلة بأنّها المدّة التي يتراوح فيها عمر الإنسان بين 15 و24 عامًا، غير أنّنا نعتمد مرحلة أوسع لتعريف «الشباب» فهي التي تمتدّ من 15 إلى 29 عامًا، ونقصد بمصطلح «الشباب» الذكور والإناث معًا.
وإذ نسعى في هذا المقال إلى مقاربة وضع الشباب اللبنانيّين ودورهم كونهم قضيّة محوريّة في هذا الوقت بالذات، حيث يعدّون موردًا أساسيًّا لحلّ مشاكل التنمية، وفي وسع الدولة تحقيق طفرة تنموية من خلالهم، وضمان استقرار مستدام، إذا وضعت على رأس أولويّاتها تمكينهم والاعتماد عليهم لدفع العمليّة التنمويّة؛ وذلك من خلال تبنّي نموذج تنمويّ جديد يرتكز على تعزيز قدراتهم، وتحرير طاقاتهم، وتوسيع الفرص المتاحة لهم، بما يفسح المجال أمامهم لممارسة حريّة أكبر في تشكيل مستقبلهم، ومن ثمّ الإسهام الفاعل في تنمية مجتمعهم وبلدهم.
ويعدّ لبنان دولة فتيّة جدًا بغالبيّتها السكّانيّة؛ فبحسب تقديرات عدد السكان لعام 2017م فإنّ 61.21% من مجموع السكّان تقع في الفئة العمريّة بين 15- 54 عامًا، وفقًا لكتاب حقائق العالم (Book-Fact World).
وشباب اليوم أكثر تعليمًا ونشاطًا وارتباطًا بالعالم الخارجيّ، ما ينعكس على مستوى وعيهم بواقعهم وتطلّعاتهم إلى مستقبل أفضل، لكنّ وعيهم بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع يهمّشهم ويحدّ لهم التعبير عن الرأي، والمشاركة الفاعلة، وكسب العيش، ما يسبّب ارتفاع نسبة الهجرة بين هذه الفئة الفاعلة، فقد باتت الهجرة حلمًا يراود غالبيّة الشباب، حيث وصلت نسبة المهاجرين بعمر 20- 40 سنة إلى نحو 69% من مجموع المهاجرين اللبنانيين (1992-2007 د. كاسباريان).
إنّ تمكين الشباب يستدعي إصلاحات على ثلاثة مستويات من العمل:
يرتبط أوّلها بالسياسات الناظمة للعقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها، وإعادة هيكلة الاقتصاد لضمان توسيع الفرص المتاحة للجميع، بمن فيهم الشباب، بعدالة ومن دون تمييز.
ويركّز المستوى الثاني على السياسات القطاعيّة، ولا سيّما في مجالات التعليم من خلال تطوير مناهج محليّة للتربية من أجل السلام، تعمل على تعميم قيم التعايش السلمي المشترك، والتسامح، وقبول الآخر، بالإضافة إلى المجال الصحي والتوظيف، لضمان توفّر الخدمات وتعزيز قدرات الشباب، ومن ثمّ نطاق حريّتهم في الاختيار.
أمّا المستوى الثالث فهو يتناول السياسات الوطنيّة المعنيّة مباشرة بالشباب، وتأمين المستوى المعيشيّ اللائق لهم وإخضاعهم لتدريبات تقوّي مهاراتهم.
وينبغي لهذه السياسات تجاوز نهج إيجاد الحلول لمشاكل الشباب الذي عادة ما يكون جزئيًّا وقصير المدى، وأحيانًا صوريًّا وغير مجدٍ، فإنّ أيّ نهضة تنمويّة مرتقبة منوطة بتحقيق العديد من الشروط، كتطوير الإطارات الشبابيّة في المجتمع اقتصاديًّا واجتماعيًّا، والتركيز على نوعيّة النمو وليس فقط على معدّلاته، والسعي لسياسة فاعلة في تنوّع مصادر الدخل الوطنيّ، والاهتمام بقضايا البيئة، وتطوير القاعدة التكنولوجيّة والعلميّة، وتنمية الثروة البشريّة بمختلف جوانبها. ولا يمكن للبنان أن يغيّر من أوضاعه الاقتصاديّة إلّا بقدر ما يطبّق خطّة تنموية تتفّق مع مختلف أبعاده الاجتماعيّة والنفسيّة والثقافيّة والتربويّة والاقتصاديّة، ويكون هدفها الأساسي الارتقاء بالإنسان بجميع أبعاده في كلّ الخطط والاستراتيجيّات؛ وهذا يتطلّب جهدًا كبيرًا لاتّخاذ المسار الصحيح وانتهاجه في تنفيذ استراتيجيّات التنمية العربيّة وتعزيز فرص نجاحها.
عشتم وعاش لبنان