الإبتكار وصناعة الأثر

 د. سفانة المشهدي*
في أعقابِ جائحةكورونا (كوفيد -19)، تعمل المؤسسات بشكل متواصل لإيجاد أسلوب مرِن يساعدها على تغيير الإدارة والنظر في ما تقدّمه من منتجات وخدمات، وأصبحت الإستعانة بالابتكار ونظرياته ضرورة لإعادة الهيكلة ولتمكين الإعتماد على استراتيجيات التحوّل الرقمي على نطاق واسع. وفي هذه الظروف، لن تُجدي عملية إدارة التغيير التقليدية نفعاً، بل لا بد من تقمّص الأسلوب الإداري الرشيق والبحث عن موارد بشرية إبداعية وذات عقلية مرنة داخل المؤسسات ومِن مختلف مستويات الهيكل المؤسسي.
فالسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهاننا: كيف أستطيع الوصول إلى أشخاص مبدعين من أجل مؤسساتنا، شركاتنا، قطاعاتنا؟ و كيف أُصبح شخصاً مبدعاً؟؟ هذا السؤال قد يتوارد لدى كبار المدراء التنفيذيين، لأننا ندرك أنّ القدرة على الابتكار هي الوصفة السرية لنجاح الأعمال.
نعرف القليل فقط عما يجعل الفرد أكثر إبداعاً من غيره، وربما لهذا السبب نقف في ذهول أمام المبدعين أصحاب البصيرة النافذة أمثال ستيف جوبز” مالك شركة أبل وجيف بيزوس” مالك شركة_أمازون. كيف تمكّن هؤلاء الأشخاص من ابتكار حلول عبقرية جديدة، و الأهم من ذلك، كيف يمكننا أن نتعلم أكثر عن كيفية حدوث الإبتكار فعلياً؟
أظهرت الدراسات والتجارب القيادية والشخصية، تجلي بعض الصفات بوضوح بين هؤلاء المبتكرين والمبتكرات، و التي تعد بمثابة مكعبات البناء إن صحّ التعبير للحمض النووي الذي يشكّل سِمات الإنسان وصِفاته، كذلك بالنسبة للمبتكرين: هذه الصفات تحدّد أنماط سلوكهم الإبداعي وتساعد مجتمعةً على خَلقِ رؤى جديدة ومن هذه الصفات:
وكما أن كل شخص يمتلك حمضا نووياً لا نظير له، فإن لكل فرد منا حمضا نووياً للإبتكار فريداً من نوعه لخلقِ الأفكارالاستثنائية في محيطه ولا سيّما في عمله. وفي هذا الصدد يقول أحد أشهر علماء قيادة الإبتكار في العصر الحديث، بروفيسور كلايتون كريستينسين من كلية هارفارد للأعمال:
(لا بد أن يقوم الإبتكار على فهم أنماط المشكلة ، و فهم احتياج العميل) ، ولا سيما في مجال عملي في القطاع الصحي: فهم احتياج المريض و أسرته، ومقدّم خدمات الرعاية الصحية – ليكون الإبتكار أداةً لرفع مستوى جودة الخدمة ، و تقليل التكلفة ، و تحسين جودة حياة الأفراد. وكَوني قائدة للابتكار في القطاع الصحي، شغوفة بخدمة الإنسان والإنسانية، أنقل رسالتي اليوم وأشجّع الجميع، أن ينتهجوا نهج المبتكرين والمبتكرات، ممن أحدثوا التغيير في العالم، بالقدرة على الربط، بالإحساس المستمر بالفضول و الرغبة في البحث، والقدرة على طرح الاسئلة والأهم من ذلك: التفكير ملياً في وضع استراتيجية لترك الأثر… ماذا أعني بذلك؟
الابتكار أداة للإرتقاء بالشعوب، لخلق النهضة، ولتحسين الحياة على مختلف الأصعدة ولكن طريقُه وعِر، فيه الكثير من الغموض، المخاطرة، والتأخر في الحصول على العائد المعنوي والمادي. الإبتكار ثقافة، يصحبه الكثير من الصبر، المساندة والتمكين من قادة التغيير المؤمنين بأهمية ملامسة حياة الناس و حلّ مشكلاتهم عن طريق طرح حلول إبتكارية. ولو نظرنا إلى شعار شركة أبل “فكّر بطريقة مختلفة”، ملهم و لكنه غير مكتمل. فالابتكار ليس إذاً نزعة وراثية، بل هو هدف فعلي يتطلب العمل و المثابرة. الإبتكار يتطلّب التصرف بشكل مختلف، و التفكير بشكل مختلف، و التجرد من النظرة قصيرة المدى، و السعي إلى ترك جميل الأثر.
_________________
*دكتوراه في علم الأعصاب من جامعة شفيلد – بريطانيا
دبلوم في التميز المؤسسي من جامعة هارفارد
المسمى المهني: مدير إدارة مركز الابتكار – مدينة الملك فهد الطبية / باحث زائر في معهد MIT

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *